يمثل توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية تحولا بالغ الأهمية في مسار العلاقات الدولية والإقليمية، إذ جاءت هذه الخطوة في لحظة مشحونة بالتحديات التي تواجه الأمن الإقليمي والعالمي. وقد تباينت القراءات وردود الأفعال الرسمية والإعلامية حول الاتفاقية بما يعكس حجم وقعها وعمق آثارها المحتملة. ففي باكستان قوبل الاتفاق بترحيب شديد وتوصيف بأنه شبيه بالترتيبات الدفاعية في حلف شمال الأطلسي، أي أنه التزام متبادل بردع أي اعتداء محتمل. أما الهند فقد أبدت قلقها من أن يؤدي الاتفاق إلى تغيير ميزان القوى في جنوب آسيا. في إيران كانت التحليلات أكثر تحفظا وميلا إلى التهدئة، إدراكا أن الرياض تصنع تكتلا مهما لمواجهة التحديات الأمنية، أما في إسرائيل فقد اتسمت القراءة بالتوجس والتحليل الحذر، ذلك أن الاتفاقية تطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل احتكار الردع النووي في المنطقة، في حين أن واشنطن بدت في موقع المراقب، ترى أن الاتفاق يعكس أزمة ثقة في المظلة الأمريكية. إن أهمية هذه الاتفاقية بالنسبة للمملكة تكمن في كونها إعلانا عمليا عن استقلال القرار السعودي وقدرته على صياغة مسار أمني جديد يعتمد على تعدد الخيارات وتنوع الضمانات. كما أن السعودية تدرك أن النظام الدولي يشهد انتقالا من الأحادية القطبية إلى تعددية أكثر تعقيدا، وأن بناء شراكات راسخة مع قوى نووية مثل باكستان هو استثمار في الاستقرار وردع للمغامرات. إن تجارب التاريخ تؤكد أن الأمم التي نجحت في تأمين استقرارها ومصالحها إنما فعلت ذلك عبر بناء تحالفات واقعية، فحلف الناتو مثلا كان السند الذي ساعد أوروبا الغربية على النهوض بعد الحرب العالمية الثانية، وكذلك فعلت الاتفاقات الأمنية الثنائية والمتعددة التي كانت الركيزة التي حافظت على توازن شرق آسيا. والمملكة اليوم تستحضر مثل هذه التجارب وهي تعيد تشكيل بيئتها الإستراتيجية بما يتوافق مع مصالحها وسيادتها. هذه الاتفاقية إذا هي إعلان عن مرحلة جديدة في السياسة السعودية، عنوانها أن الرياض هي مركز الثقل الذي لا يمكن تجاوز إرادته في أي معادلة تخص أمن المنطقة، وأن السعودية بحكم مكانتها الدينية والاقتصادية والسياسية هي المؤهلة لقيادة التحولات وبناء الشراكات وهندسة السياسات الأمنية في الخليج. اليوم تصنع المملكة المستقبل بثقة وجرأة، إنها لحظة تاريخية تستحق الدعم الشعبي العربي والإسلامي، فالقوة السعودية هي صمام أمان للمنطقة، وهي أيضا رسالة للعالم بأن زمنا سياسيا جديدا قد بدأ.