في خطوة وُصفت بالتاريخية، وقّعت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية في 17 سبتمبر 2025 اتفاقية استراتيجية للدفاع المشترك، نصّت على أن أي اعتداء على أحد البلدين يُعد اعتداءً على الآخر. هذه الاتفاقية أثارت اهتمام الأوساط السياسية والقانونية باعتبارها تحولًا استراتيجيًا يعكس عمق العلاقات بين البلدين، ويؤسس لتحالف دفاعي متكامل قائم على الشرعية الدولية. في هذا السياق، قال ل"الرياض" الدكتور حمزة بن فهم السلمي، أستاذ القانون الدولي المشارك ورئيس قسم القانون العام سابقًا، للحديث عن أبعاد الاتفاقية، جذورها التاريخية، ورسائلها الاستراتيجية: إن العلاقات بين الرياض وإسلام آباد تمتد منذ استقلال باكستان عام 1947، حيث كانت المملكة من أوائل الدول التي اعترفت بها. ومنذ ذلك الحين، توطدت العلاقة عبر محطات مفصلية؛ المملكة دعمت باكستان في حربَي 1965 و1971، وقدمت لها الغطاء المالي والسياسي في أزمة التجارب النووية عام 1998، ووقفت إلى جانبها في الكوارث الطبيعية مثل زلزال 2005 وفيضانات 2010 و2022. هذه المواقف رسخت علاقة قائمة على الثقة والأخوة، وليست مجرد علاقات دبلوماسية عابرة. شراكة اقتصادية وتنموية وأشار د. السلمي أنه خلال العقدين الأخيرين، انتقلت العلاقة من منطق "الدعم" إلى "الشراكة المتبادلة". في أكتوبر 2024، وقع البلدان 27 مذكرة تفاهم بقيمة 2.2 مليار دولار، ارتفعت لاحقًا إلى 34 مذكرة بقيمة 2.8 مليار دولار. هذه الاتفاقيات شملت قطاعات الطاقة، الصحة، الأمن السيبراني، التقنيات الرقمية، والصناعات الطبية، وهو ما يعكس تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقة، لتصبح شراكة تنموية شاملة. الاتفاقية الدفاعية وأبرز مضامينها ونوه أستاذ القانون الدولي، إلى أن الاتفاقية الدفاعية التي وُقعت في 17 سبتمبر 2025 تعد تتويجًا لمسار طويل من التعاون العسكري، لكنها خطوة نوعية لأنها نصت صراحة على أن "أي اعتداء على أي من البلدين يُعد اعتداءً على كليهما". هذه الصياغة تضع التحالف في مستوى الردع المشترك، وتؤكد وحدة المصير الأمني بين السعودية وباكستان، بما يشبه مبدأ "الأمن الجماعي" المعروف في حلف الناتو، لكن ضمن إطار إسلامي وإقليمي. قانون المعاهدات وأشار د. السلمي إلى أن الاتفاقية تستند إلى أسس قانونية راسخة. فهي منسجمة مع المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة الخاصة بحق الدفاع الشرعي، ومع اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969. والمملكة بصفتها دولة عضو في الأممالمتحدة، وباكستان كعضو فاعل، أضفتا على الاتفاق بعدًا من المصداقية والشرعية الدولية. لذلك، لا يُنظر إليها كتحالف عسكري فحسب، بل كإطار قانوني مشروع متوافق مع القوانين والأعراف الدولية. بيان الاتفاقية وعن البيان المشترك، أكد أن الاتفاقية تهدف إلى حماية سيادة البلدين ووحدة أراضيهما، وأن أي اعتداء على طرف يُعد اعتداءً على الطرف الآخر. والبيان شدد أيضًا على أن الاتفاق ليس موجهًا ضد أي دولة بعينها، بل يهدف لتعزيز السلام والاستقرار، مع الالتزام بالقانون الدولي واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. الانعكاسات الاستراتيجية على المستوى الإقليمي وعلى الانعكاسات الاستراتيجية لهذه الاتفاقية على المستوى الإقليمي قال د. السلمي: إن الاتفاقية تعزز التوازن في بيئة إقليمية معقدة. فالسعودية ركيزة استقرار في الخليج والشرق الأوسط، وباكستان قوة نووية محورية في جنوب آسيا. التقاء مصالح البلدين يشكل جسرًا استراتيجيًا بين المنطقتين. الأبعاد الاقتصادية والدفاعية المستقبلية وعن الأبعاد الاقتصادية والدفاعية المستقبلية لهذه الاتفاقية أشار د. السلمي إلى أن الاتفاقية تفتح المجال أمام التعاون في الصناعات الدفاعية، والأمن السيبراني، والتقنيات المتقدمة، وهي قطاعات باتت اليوم أساس الردع الاستراتيجي. إلى جانب ذلك، توفر رؤية السعودية 2030 فرصًا هائلة للتكامل الاقتصادي مع باكستان، خصوصًا في البنية التحتية والطاقة والنقل، فيما تشكل الكفاءات الباكستانية المؤهلة رافدًا مهمًا لدعم هذه المشاريع. وهذه الاتفاقية هي رسالة واضحة: السعودية وباكستان تشكلان جبهة أمنية واحدة، وأي تهديد لهما سيُواجه بردع مشترك. الاتفاقية ليست مجرد وثيقة، بل إعلان عن شراكة استراتيجية تجمع بين الشرعية القانونية الدولية والقدرات العسكرية، بما يرسخ الاستقرار الإقليمي ويدعم السلام العالمي. بيان مشترك وكان صدر بيان مشترك بشأن زيارة الدولة التي قام بها دولة رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية السيد/ محمد شهباز شريف إلى المملكة العربية السعودية، فيما يلي نصه: تلبية لدعوة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، قام دولة رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية السيد/ محمد شهباز شريف بزيارة دولة إلى المملكة العربية السعودية، بتاريخ 1447/3/25ه الموافق 2025/9/17م. واستقبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، دولة رئيس الوزراء في جمهورية باكستان الإسلامية السيد/ محمد شهباز شريف في قصر اليمامة بالرياض، وعقدا جلسة مباحثات رسمية بحضور وفدي البلدين، وفي بداية المباحثات طلب دولة رئيس الوزراء الباكستاني نقل تحياته وأطيب تمنياته إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، واستعرض الجانبان العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، وعددًا من المواضيع ذات الاهتمام المشترك. وانطلاقًا من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو ثمانية عقود، بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستنادًا على المصالح الإستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين، قام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- ودولة رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية محمد شهباز شريف بالتوقيع على "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك" والتي تأتي في إطار سعي البلدين في تعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والتي تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء، وتنص هذه الاتفاقية على أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما. وقد أعرب دولة رئيس الوزراء في جمهورية باكستان الإسلامية السيد/ محمد شهباز شريف عن شكره وتقديره لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على ما لقيه دولته والوفد المرافق من حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وعن أطيب تمنياته لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولصاحب السمو الملكي ولي العهد -حفظهما الله- وللشعب السعودي الشقيق بالمزيد من التقدم والازدهار والرخاء. كما أعرب سموه عن أطيب تمنياته بموفور الصحة والعافية لدولة رئيس الوزراء في جمهورية باكستان الإسلامية السيد/ محمد شهباز شريف، والمزيد من التقدم والرقي لشعب جمهورية باكستان الإسلامية الشقيق. د. حمزة السلمي