كان توحيد السعودية قرارًا واعيًا له دلالة كبيرة في التاريخ الحديث، وذلك حين بدأ الملك عبدالعزيز مجهوده الجبار بتوحيد الجزيرة العربية تحت قيادة سياسية واحدة. كان التوحيد عملًا مضنيًا، استغرق ثلاثين عامًا من 1902 إلى حين إعلان قيام المملكة العربية السعودية في سبتمبر 1932، وعندما ننظر في واقعنا اليوم ندرك حجم النقلة الكبرى التي أحدثها. ولو ألقينا نظرة عامة على مجتمع الجزيرة العربية قبل التوحيد لوجدنا أن تحقيق هذا الهدف كان أقرب ما يكون إلى المستحيل، فقد كان الملك عبدالعزيز إضافة إلى عبقريته العسكرية المعروفة ذا حس سياسي خارق، إذ إنه لم يتوقف عند مجرد التوحيد بل توجه فورًا إلى تثبيت كيان الدولة تحت قيادة سياسية واحدة، بحيث تصير وحدة حضارية تواصل الرسالة التي قامت بها الجزيرة العربية قديمًا في حياة البشرية. لقد أدرك الملك عبدالعزيز أنه ليس هنالك حل لمشاكل الجزيرة العربية إلا بفرض الوحدة وبناء مجتمع متجانس ومتلاحم. ولذلك جاءت الوحدة في أوانها ردًا على واقع اجتماعي كان غارقًا في دروب الفتنة والاحتراب. فقد كانت الجزيرة العربية شتاتًا متنافرًا، ولم يكن في وسعها أن تحتفظ بحالة استقرار وتوازن إلا بعد التوحيد الذي أزال تدريجيًا ظروف الشتات. وقد أجمع المؤرخون على أن الوحدة التي شهدتها الجزيرة العربية لم تكن ممكنة إلا بوجود شخصية الملك عبدالعزيز. يقول موريس جورنو مؤلف كتاب الخليج العربي في معرض حديثه عن شخصية الملك عبدالعزيز: «إذا كان الملك عبدالعزيز قد نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه، وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمنًا في العالم، فمرد ذلك ليس إلى القوة فحسب بل إلى أنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك». ويقول جان بول مائيه: «لقد خلف الملك عبدالعزيز مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا، وبلدًا يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول، وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي، لقد استطاع الملك عبدالعزيز في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة». لقد كان بين يدي الملك عبدالعزيز منهج يستمد منه تصوره السليم للوحدة والقوة والتاريخ، وبمقتضاه وظف تلك المرتكزات في نهضته الكبرى. فقد اتحدت وتفاعلت عناصر التاريخ والجغرافيا لتفسح المجال لوحدة سياسية ثابتة تقوم على الإنسان والتاريخ فكانت الوحدة نقلة نوعية ونقطة مفصلية وعنصرًا مهمًا من عناصر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. هذه الوحدة الحضارية يجب أن تحظى بمزيد من اهتمام الباحثين إذ إنها البداية المهمة لتغيير اجتماعي وحضاري ظل يتطور في نفس المنحى العام الذي رسمه الملك عبدالعزيز. ولذلك يجيء الاحتفاء باليوم الوطني تذكارًا لأبناء الوطن وحشدا لطاقاتهم نحو مزيد من الفعل، وتطلع مشروع نحو مزيد من التنمية التي تعد الكلمة المفتاح للغد.