المملكة الجديدة.. ورؤية 2030

المملكة اليوم قوة فاعلة في المسرح العالمي لا يمكن الاستغناء عنها دينيًا وسياسيًا وأمنيًا، وتكمن أهميتها في مواقفها المعتدلة ونفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي ومكانتها القيادية في العالمين العربي والإسلامي..
يتحدث الناس عن السياسيين والقادة والعظماء في العالم وتفيض التراجم في الحديث عن مآثرهم وتروى سيرهم على الملأ ولكن يظل الحديث عن الملك عبدالعزيز فريدًا ومميزًا ومنعشًا وذا طعم مختلف.
فاليوم الوطني يجر بصورة منطقية للحديث عن هذا الرجل الفذ الملك عبدالعزيز الذي كان هو العزيمة الواثبة وراء قيام المملكة العربية السعودية كما يعرفها الناس اليوم.
عبدالعزيز.. البساطة المأخوذة من الصحراء وحياة الصحراء.. البساطة المستعضدة بالإيمان.
عبدالعزيز.. الصدق.. الصدق الذي هو صنو البساطة ونتاجها صدق بسيط يسيل بعفوية من الكلمات.
عبدالعزيز.. الشجاعة صفة وصفه بها كل من عرفه.
عبدالعزيز.. السلام.
لقد كان هاجس الوحدة يلح على الملك عبدالعزيز فكان ينادي بها كلما وجد فرصة لذلك.
لقد أدرك الملك عبدالعزيز بأنه ليس هنالك حل لمشكلات الجزيرة العربية إلا عن طريق فرض الوحدة وبناء مجتمع متجانس يقوم على العقيدة الإسلامية تتقارب فيه القيم والمبادئ والتقاليد.
ولم يكن التوحيد أمرًا سهلًا بل كان عملًا مضنيًا استغرق ثلاثين عامًا من 1902م إلى 1932م.
فقد كان الملك عبدالعزيز بالإضافة إلى عبقريته العسكرية المعروفة ذا حس سياسي خارق إذ إنه لم يتوقف عند مجرد التوحيد بل توجه فورًا لتثبيت كيان الدولة بحيث يصير لها وحدة حضارية تواصل بها الرسالة التي قامت بها الجزيرة العربية قديمًا في حياة البشرية ولذلك كان الملك عبدالعزيز فخورًا وشاكرًا لله على توحيد الجزيرة العربية بعد شتات وفرقة.
ولذلك جاء كفاح الملك عبدالعزيز في أوانه فقد كانت الجزيرة العربية تمر بحالة شتات ومرحلة ثقافية متخلفة وجاءت الوحدة ردًا على هذا الواقع الثقافي والاجتماعي.
فقد كان بين يدي الملك عبدالعزيز منهج يستمد منه تصوره السليم للوحدة والقوة والتاريخ والعلاقات الدولية وبمقتضى هذا الفهم وظف الملك عبدالعزيز تلك المرتكزات في نهضته الكبرى.
يقول موريس جورنو: إذا كان الملك عبدالعزيز قد نجح في لم شعث الجزيرة العربية تحت لوائه وجعل من بلد مضطرب البلد الأكثر أمنًا في العالم فمرد ذلك ليس إلى القوة فحسب بل إنه سكب في أعماق الأمة الناشئة أقوى عوامل التراص والتماسك.
ويقول جان بول مانيه: لقد خلف الملك عبدالعزيز مملكة شاسعة تعادل مساحتها نصف مساحة أوروبا وبلدًا يعتبر الثالث في العالم في إنتاج البترول وكان في الوقت نفسه الزعيم المرموق في العالم العربي لقد استطاع الملك عبدالعزيز في خضم القرن العشرين أن يفجر من غمار الرمال أمة جديدة.
وربما يمر المؤرخون على هذه الوحدة الحضارية مرورًا سريعًا في الوقت الذي يجب أن تحظى فيه بمزيد من اهتمام الباحثين إذ إنها البداية المهمة لتغيير اجتماعي وحضاري ظل يتطور في نفس المنحنى العام الذي رسمه الملك عبدالعزيز.
ولذلك يجيء الاحتفاء باليوم الوطني تذكارًا لأبناء الوطن بذاتيتهم وتأكيدَا لمشاعر الولاء بالانتماء للوطن وحشد الطاقات نحو المزيد من الفعل وتطلع مشروع نحو المزيد من التنمية.. التنمية تلك هي الكلمة المفتاح للغد ولكل حلم كبير ووقفة ينظر فيها الوطن كله وراءه ليعرف أي مسافة قطع ثم ينظر أمامه ليرى كم بقي من الشوط.
فعندما نصل الوحدة بالزمن فإننا نختزل في أعوام قصيرة ما استغرقت الحضارة الحديثة التي سبقتنا أعوامًا طويلة إذ لم تعد هنالك حدود تستطيع أن تجهض طموحاتنا حيث تقتحم بلادنا حضارة العصر من الباب العريض وتمارس فعل العصر سواء على صعيد بناء المجتمع أو العلاقات الدولية أو التحالفات والاستراتيجيات أو التحولات الحضارية أو المصالح.
وهنا تتجلى قدرة وكفاءة برنامج التحول الوطني رؤية 2030 التي أكدت على سلامة وجهتنا الحضارية وأعادت صياغة المجتمع من جديد وغيرت أشكال الحياة ونقلتنا إلى حركة وآفاق القرن الواحد والعشرين الذي دققنا أبوابه الآن لنعلن للعالم أجمع أننا نرتاد الحقول البكر لنخرج إلى العالم من جديد بتطلعات جديدة وبوعي جديد.
كانت الرؤية نقلة في الزمن تجاوزت بنا حجم الإنجاز إلى حجم الطموح بل تخطت بنا الواقع المشهود إلى المستقبل المأمول.
وهذا ما يستدعي الوقفة.. وقفة تسجيل هذا التوجه المستقبلي الذي تجاوز الواقع على عظمة دلالات ذلك الواقع وركزت على ما يحدث بعده فأصبحت آمال اليوم وأحلام الغد حقائق ماثلة تلك هي قصتنا مع التحول الوطني الذي دارت عجلته بكامل قوتها وتصاعدت في الوطن كله.
فقد كانت وقفة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مع الإصلاح الحضاري في مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية والثقافية والفكرية والإنسانية تمثل توجهًا مستقبليًا حضاريًا فريدًا ونقلة في الزمن مستهدفًا بذلك وضع الإنسان السعودي في مصاف أرقى المجتمعات البشرية هذا الإصلاح الحضاري الكبير له دلالة كبيرة في التاريخ السعودي الحديث تضاف إلى مكونات الصورة للملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- كشخصية تاريخية كبيرة ذات أدوار متعاظمة.
فكانت الرؤية نافذة حضارية ومنصة إشعاع مضيئة أطلقها الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بكل وعي وجسارة وشجاعة ومسؤولية عبرت عن نهج رصين ونضج فكري قويم واستشراف مستقبلي كشفت لنا أن كل ما كان يبدو لنا مستحيلًا أصبح اليوم ممكنًا.
والمملكة اليوم قوة فاعلة في المسرح العالمي لا يمكن الاستغناء عنها دينيًا وسياسيًا وأمنيًا وتكمن أهميتها في مواقفها المعتدلة ونفوذها السياسي وقوتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي ومكانتها القيادية في العالمين العربي والإسلامي مما جعلها تأخذ صدر الصورة في أي منحى عالمي وذلك بما هي عليه اليوم من حكمة وحنكة وقوة ومكانة في المجتمع الدولي بحيث أصبحت كيانًا يجمع وقوة توحد.
Your browser does not support the video tag.