حين نتأمل أوضاع الحرمين الشريفين في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وما يحيطان بهما من رعاية وعناية وخدمة، نحمد الله- عز وجل- أن سخّر لهما قيادة جعلتهما في مقدمة أولوياتها، وتشرفت بحمل لقب خادم الحرمين الشريفين. كما أكرم الله أبناء هذا الوطن بخدمة الحرمين، فكان التطوع سِمةً بارزة للمواسم المقدسة، حيث يتسابق الشباب والفتيات للمشاركة في خدمة ضيوف الرحمن خلال مواسم الحج والعمرة، لا سيما في شهر رمضان المبارك، إلى جانب الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المختصة؛ دينيًا وعمرانيًا وتنظيميًا. إنهم بحق جنود الله في أرضه، يعملون بلا كلل أو ملل، وبشغف عالٍ وجودة مشهودة، من أجل راحة الملايين من قاصدي الحرمين الشريفين كل عام. وكم يواجهون في سبيل ذلك من مشاق ومتاعب؛ يأتي في مقدمتها جهل بعض الحجاج والمعتمرين والزوار، وهو جهل تحرص رئاسة شؤون الحرمين – مشكورة – على معالجته، عبر نشر الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وبمختلف لغات العالم. غير أن الأمر لم يعد مقتصرًا على الجهل وحده، بل تجاوز ذلك إلى ممارسات غريبة من فئة قليلة، تم التعامل معها باحترافية كبيرة من قبل رجال الأمن. وفي هذا السياق، يبرز موقف رجل الأمن الشهم ريان بن سعيد العسيري نموذجًا مشرفًا من نماذج التفاني والإخلاص، حين عرّض نفسه للخطر في محاولة إنقاذ شخص ألقى بنفسه من أحد الأدوار العلوية، فسقط على جسده، فكان لطف الله شاملًا لهما. هؤلاء هم جنود الحرم، وهذه المواقف البطولية تمثل جانبًا مضيئًا من تضحياتهم اليومية، التي يتغافل عنها أصحاب الأجندات المغرضة، وينشغلون بدلًا من ذلك بتضخيم مواقف مصنوعة ومفتعلة. لكن هذا بيت الله، وسيكفي الله خدام بيته الحرام، ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل من يسعى للنيل من أمن الحرمين وطمأنينة مرتاديهما. وقد أوضح الله- عز وجل- في كتابه الكريم العهد الذي أخذه على نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل- عليهما السلام- وهو عهد ممتد في معناه لكل من يسخّره الله لخدمة بيته الحرام، يتمثل في تطهيره لعبادته وحده، وصيانته من الشرك والخرافات والإساءات، والحفاظ على قدسيته وهيبته: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا…)، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا..). وليت من يروّجون للدعاوى المضللة، ينظرون بإنصاف إلى الواقع، ويتأملون ما يُبذل من جهود استثنائية وإمكانات هائلة وخدمات نوعية، تؤكد أن الله تولى حفظ بيته، وسخّر له هذه الدولة المباركة، استجابةً لدعوة إبراهيم عليه السلام التي تكررت في كتاب الله الكريم. لقد أدت تكرار بعض الحوادث المؤسفة إلى تقييد الوقوف في الأدوار المطلة على الكعبة المشرفة، وهو ما حرم الكثيرين من التمتع بمشهد يبعث الطمأنينة ويغذي الروح. ومع ثقتنا العالية بوعي المسؤولين، نأمل أن تُتخذ الإجراءات التي توازن بين السلامة وفتح المجال للمسلمين العقلاء – وهم الغالبية – للاستمتاع بمشاهدة صحن المطاف من الأدوار العلوية، ولو في غير أوقات الذروة. ختامًا، وبكل فخر واعتزاز، ندعو الله أن يحفظ جنود الحرمين، وأن يجزيهم خير الجزاء، وأن يكتب السلامة والتوفيق للبطل ريان العسيري، وأن يمنّ بالشفاء والهداية لمن أنقذه الله من الانتحار. اللهم احفظ بلادنا وقيادتنا، وزد وطننا عزًا ومجدًا، وزدنا به عشقًا.