منذ التسعينيات تغيّرت ملامح منتخبات العالم مع تغيّر المدربين والمدارس التي كانوا ينتمون إليها، ولم يكن المنتخب السعودي استثناءً من هذا التحوّل. فمن المدرسة اللاتينية التي منحت الأخضر أجمل لحظاته في مونديال 1994، إلى المدرسة الأوروبية، التي قادته للتتويج الآسيوي في 1996، وصولًا لمرحلة الحضور العالمي اللافت تحت قيادة الفرنسي رينارد في 2022، ظلّ السؤال حاضرًا في كل حقبة: أي أسلوب تدريبي هو الأقرب لطبيعة اللاعب السعودي؟ التانغو بنكهة أوروبية الاحتكاك المباشر بالنجوم العالميين في دوري روشن، يعيد الضوء إلى المدرسة الأرجنتينية ولكن بنكهة جديدة؛ أرجنتين أكثر أوروبية، أكثر تنظيمًا، وأكثر قدرة على الدمج بين الجمالية والفعالية، فاللاعب السعودي موهوب بطبيعته، لكنه يحتاج مدربًا يمنحه الحرية داخل إطار تكتيكي مضبوط، يوازن بين الفن والانضباط، ويخلق عقلية تنافسية قوية داخل المنتخب؛ لذلك قد يكون الخيار الأمثل هو المدرب الأرجنتيني الحديث ذو الروح الأوروبية؛ مشروع طويل النفس، قائم على التنظيم والإبداع، قد يعيد الأخضر إلى منصات البطولات بروح جديدة، ونهج أكثر نضجًا. إنجازات الأخضر بقراءة التاريخ، نجد أكبر إنجازات السعودية تحققت تحت قيادة مدربين من المدارس اللاتينية والأوروبية، منذ مونديال 1994 (أفضل مشاركة في تاريخه) مع الأرجنتيني سولاري، بينما جاء آخر إنجاز في كأس آسيا 1996 على يد المدرب البرتغالي فينغادا، وفي السنوات القريبة، أعاد الفرنسي رينارد صخب الحضور الأخضر عالميًا بفوز تاريخي على الأرجنتين في كأس العالم 2022، وتأهلين متتاليين للمونديال، بدون أن ننسى الهولندي مارفيك. تطور المدرسة الأرجنتينية تطور كرة القدم الحديثة تغيّر معه شكل المدرسة الأرجنتينية؛ فالأرجنتين الجديدة ليست تلك التي عرفناها في حقبة "التانغو الرومانسي"، بل أصبحت أكثر أوروبية في التفكير، براغماتية في الملعب، وتملك ديناميكية تكتيكية واضحة تمزج بين الضغط العالي واللعب المباشر والتحولات السريعة. الجيل الجديد من المدربين؛ مثل سكالوني قدّم نموذجًا مختلفًا قائمًا على الشراسة الذهنية والانضباط، دون قتل الإبداع التاريخي الذي ميّز المواهب الأرجنتينية. وهنا يبرز التقاطع الفني الأهم مع اللاعب السعودي، فاللاعب السعودي موهوب بطبيعته، مهاري، يحب الكرة الهجومية، ولا يميل إلى اللعب الدفاعي البحت، ولكنه يحتاج إلى إطار تكتيكي صارم يحافظ على تركيزه وذكائه طوال المباراة ، ومن حيث الشخصية، عادة ما يتفاعل اللاعب المحلي مع المدرب العاطفي القادر على تحفيزه نفسيًا، أكثر من المدرب الجاف أو الأكاديمي البحت، وهذا بالضبط ما يجيده المدرب الأرجنتيني: مزيج بين القلب والعقل، بين الحدة والتحفيز، وبين الإبداع والخطة. السؤال الواقعي لماذا لا يكون المدرب الأرجنتيني هو الخيار الأول مباشرة؟ ليس الأرجنتيني "الكلاسيكي" الذي يعتمد على المهارة فقط، التي قد تعيد الأخضر إلى نفس الدوامة التي عايشها سابقًا مع مدربين لاتينيين تبنّوا كرة جميلة بلا فعالية كافية. المطلوب اليوم هو"الأرجنتيني الأوروبي"، ذاك الذي بنى خبرته في بيئات احترافية، ويملك مرونة تكتيكية، ويعرف كيف يضغط، ويؤمن بالفوز قبل الجمال الفني، ويستطيع إدارة غرفة ملابس مليئة بالنجوم المحليين والمحترفين. شروط المدرب القادم اختيار المدرب القادم ينبغي أن يقوم على معايير واضحة؛ أبرزها: خبرة في العمل مع منتخبات أو أندية من طراز عالٍ، وفهم واقعي لكرة آسيا التي تحتاج ذكاءً أكثر من الاندفاع، وقدرة على تطوير منظومة هجومية دون الإضرار بالتوازن الدفاعي، وشخصية قوية تستطيع خلق عقلية تنافسية داخل المعسكر. ومع ازدهار دوري روشن، حيث يلعب السعوديون بجوار رونالدو وبنزيما وبروزوفيتش ومالكوم وسافيتش، أصبح من الضروري أن يتواجد على الخط الفني مدرب يفهم هذه البيئة، ويُحسن استثمارها.