تُغير الطائرات المسيرة طبيعة الحرب بسرعة، غير أن الولاياتالمتحدة ظلت مقيدة لسنوات فيما يخص تصدير تقنيات الطائرات المسيرة المتطورة. فقد تمسكت واشنطن لفترة طويلة بتفسير صارم ل«نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ» (MTCR)، وهو اتفاق سياسي غير ملزم وُقع عام 1987 للحد من انتشار الصواريخ وتكنولوجياتها، وطبقته أيضاً على بعض «المركبات الجوية غير المأهولة» (UAVs)، مما حال دون بيع أحدث طائراتها لعدد من شركائها الرئيسيين. في المقابل، لم تلتزم الصين وتركيا ودول أخرى بهذه القيود، مما أتاح لها سد الفجوة وتوسيع صادراتها الدفاعية وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا وما وراءهما. وتقف إدارة ترمب اليوم أمام فرصة نادرة لإحداث تغيير جذري في هذا الواقع. فقد أعلنت الإدارة اعتزامها إدخال تعديلات واسعة على تفسيرها ل«نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ»، وذلك في إطار جهد أشمل لإصلاح آليات بيع الأسلحة الأمريكية ونقلها إلى الخارج. هذه الخطوة ستجعل واشنطن أكثر قدرة على مواكبة الواقع الراهن ومنافسة الآخرين في سوق السلاح الذي يزداد ازدحاماً، غير أن الغموض ما زال قائماً بشأن ما إذا كانت إعادة تفسير «نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ» ستترافق مع معايير واضحة تحدد المسيرات المسموح بتصديرها والجهات التي يمكن أن تتلقاها. تعود الجهود الرامية إلى مراجعة نهج الولاياتالمتحدة تجاه «نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ» إلى إدارة ترمب الأولى، التي أعلنت عام 2020 أنها ستعيد تفسير النظام بحيث تعامل بعض الطائرات المسيرة على أنها تقنيات من الفئة الثانية بدلاً من الفئة الأولى الأكثر تقييداً، والتي كانت تنطوي تاريخياً على افتراض رفض تصدير هذه المركبات. استمرت هذه الجهود في إدارة بايدن، التي أعلنت في يناير عن تفسير منقح للنظام للسماح بتفسيرات أكثر مرونة للفئة الأولى، لكنها استبعدت صراحة إمكانية نقل مرافق الإنتاج والتقنيات. أما في ولاية ترمب الثانية، فقد استؤنف العمل من حيث توقف، إذ أصدر البيت الأبيض في أبريل أمراً تنفيذياً لتبسيط صادرات الدفاع، تلاه سريعاً تحرك من الكونغرس، شمل مشروع القانون H. R. 3068 وقانون تبسيط المبيعات العسكرية الأجنبية لعام 2025. أدركت أمريكا أن المنافسة مع الصين تتوسع بصورة متزايدة إلى سوق الأسلحة الدولية. تُعَد الصين واحدة من أكبر خمسة مصدرين للأسلحة في العالم، وقد عرضت مؤخراً أسلحة جديدة أمام عشرات من رؤساء الدول الأجنبية خلال استعراضها العسكري، كما حاول المسؤولون الصينيون استثمار أداء أسلحتهم في الأزمة الباكستانية– الهندية لتعزيز مكانتهم. وتُعد زيادة سرعة وكفاءة نقل الأسلحة الأمريكية إحدى الوسائل الرئيسة لمنع الصين من التوغل في أسواق التصدير الجديدة. تحتل مبيعات الطائرات المسيرة موقعاً متزايد الأهمية في صدارة هذه المنافسة. فقد ارتفعت مبيعات الطائرات المسيرة المسلحة بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. ويفتح التفسير الجديد لاتفاقية «نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ» الباب أمام إتاحة الطائرات الأمريكية المسيرة للدول في مختلف أنحاء العالم. ومن المرجح أن تحظى طائرات مثل «إم كيو-9 ريبر» بأعلى مستويات الطلب، نظراً لأن واشنطن قيدت تاريخياً عدد الدول المشغلة لهذه المنصة المتقدمة، وحصرته في حلفاء مختارين من حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبعض الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن توسيع نطاق مبيعات «إم كيو-9 ريبر» سيعزز القدرة على التشغيل البيني مع عدد أكبر من الشركاء، ويسد الفجوة التي تحاول الصين ودول أخرى استغلالها في السوق العالمية. لا تتجلى هذه المنافسة بوضوح كما في منطقة الشرق الأوسط، حيث أدت سنوات من الحروب غير المتكافئة وتكتيكات الهجمات الجماعية إلى زيادة الطلب على قدرات عسكرية كبيرة، منخفضة الكلفة، ومسيرة. وفي ظل الرفض المتكرر من واشنطن، لجأت عدد من الدول إلى موردين بديلين، وفي مقدمتهم الصين. فقد بيعت بالفعل طائرات مسيرة صينية إلى شركاء تقليديين للولايات المتحدة في المنطقة. بل إن بعض هؤلاء دخلوا في تنسيق مع بكين لإنتاج الطائرات المسيرة محلياً. ومع دخول التفسير الجديد لاتفاقية «نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ» حيز التنفيذ، يبدو أن إدارة ترمب باتت مستعدة لتغيير نهجها والبدء في تصدير الطائرات المسيرة إلى المنطقة. حيث وافقت في مارس، على بيع ثماني طائرات «إم كيو-9 بي» إلى قطر. لقد طال انتظار مراجعة نهج الولاياتالمتحدة تجاه «نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ»، ومع تغلغل المنافسة مع الصين في مجالات متزايدة، أصبح الحفاظ على شبكة من الحلفاء والشركاء القادرين على التشغيل البيني أمراً بالغ الأهمية لواشنطن لتلبية الطلب المتنامي في السوق العالمي، لا سيما بعد الصراعات الأخيرة في أوروبا والشرق الأوسط، حيث يتركز الاهتمام بشكل خاص على الطائرات المسيّرة. ومع ذلك، يبقى التحدي الجوهري أمام الولاياتالمتحدة هو إيجاد صيغة توازن بين تلبية هذا الطلب وحماية تقنياتها الحساسة. فقد كان المسؤولون الأمريكيون مترددين في تصدير الطائرات المسيرة المتطورة، خشية أن تكون تقنياتها وقدراتها عرضة للاستحواذ أو التجميع من قبل الخصوم. ويُعد هذا القلق مشروعاً، ما يفرض على صانعي القرار الأمريكيين أن يقترن تبني التفسير الجديد للنظام بوضع معايير صارمة لعدم الانتشار مع الدول الشريكة، فضلاً عن تنفيذ آلية رقابة فعالة تضمن عدم تعريض التكنولوجيا الأمريكية للخطر. في نهاية المطاف، ولكي تظل الولاياتالمتحدة الشريك المفضل، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل على امتداد العالم، ينبغي عليها أن تحافظ على قدرتها على تحقيق التوازن بين تلبية الطلب في الأسواق وحماية تقنياتها الخاصة. غير أن هذا التوازن يجب أن يستحضر دائماً الغاية الأصلية من آلية «مراقبة تكنولوجيا الصواريخ»، والمتمثلة في منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي قد تُزعزع استقرار المناطق أو تُغذي سباقات التسلح. ولذلك يتعيّن أن تقترن إعادة التفسير بمعايير محدثة لعدم الانتشار وضمانات صارمة، بما يحقق التوازن بين المنافسة والمسؤولية العالمية.