حين ولدت «رؤية 2030» تغيرت مواقع كثيرة لتصبح مشاهد وطنية عظيمة من أبرزها الثقافة، من هامش جمالي يزين الصورة إلى قطاع استثماري له أهداف واضحة، وبرامج تحويل وإلى مشاريع كبرى جعلت من الهوية الوطنية السعودية رافداً اقتصادياً وفُرص للتنمية المستدامة. لقد تخطينا الزمان إلى المكان، ولقد بدأنا نرى الجوانب الثقافية التي بدت تُزين حياة المدن وغدت معها قوة اقتصادية صاعدة ووجهات حضارية إعادة تشكيلها، لقد وضعت الرؤية أهداف صريحة لرفع المشاركة والإنفاق الثقافي إلى مسارح حية للفنون والابتكار والهوية، فلو تمعنا قليلاً في كيفية انتقال الثقافة من نشاط إلى قطاع؛ لوجدنا أن هُناك وثيقة رؤية حددت رفع هذا الإنفاق على الثقافة والترفيه وزيادة المشاركة في الأنشطة وتوفير بُنى تحتيه مخصصة للثقافة لنرى أن ذلك هو في الحقيقة لغة تحقيق (الهدف) وليست (شعارات) زائلة. من جميل ما نرى أن ما تحمله «رؤية 2030» من مشاريع ومبادرات ثقافية يفوق القدرة على الحصر ولكن أقل ما يمكن أن نقف على بعض النماذج ذات الأثر الفاعل التي جسدت دور الرؤية في تحويل الثقافة إلى استثمار حيّ من بينها يبرز مشروع «رياض آرت» الذي يحول العاصمة إلى مدينة من الفنون في الهواء الطلق عبر أكثر من 1000 عمل ومعلم فني موزعة في أرجائها التي صنعت حراكاً ثقافياً واسعاً وأسهمت في تنشيط الطلب وخلق بيئة استثمارية جديدة للثقافة والفن مما خلق لنا «نور الرياض» المتحف المفتوح الذي يختبر فيه الزائر قوة الفنون في هذا الفضاء الواسع. ولو ذهبنا إلى وجهاً آخر من وجوه الرؤية حيثُ يلتقي التراث العريق مع السياحة الاحترافية والإبداعية فقد وضعت «الهيئة الملكية للعلا» خطة واعده وطموحة بعنوان «رحلة عبر الزمن» تستهدف بحلول 2035 استقبال مليوني زيارة وخلق 38 ألف وظيفة، وتحقيق مساهمات تقدر ب 32مليار دولار في الناتج المحلي، كل هذه الأرقام تعكس مردوداً اقتصادياً وتكشف عن سوق استثماري واعد يجمع بين الثقافة والضيافة الإبداعية ضمن إطار يوازن بين الاستدامة وحماية التراث. الحقيقة أن كُل مشروع من مشاريع الرؤية يستحق أن يُفرد له مساحة مستقلة للحديث عنه فكل مشروع هو عالم مستقل بذاته، يختزن قصصاً من الإنجاز والعمل، ويحول الحلم إلى واقع ملموس. غير أنني أدرك أن الحصر ضرب من الاستحالة فنحنُ نعيش في فضاء تتزاحم فيه المشاريع كما تتزاحم النجوم في سماءٍ واحدة، كل يُضيء من زاويته ويترك أثره الخاص، كُل تلك المشاريع التي نراها ونحلم بها ونحققها هي مشاريع لا تكتفي بإبراز الهوية الثقافية أو تعزيز حضور الفنون، إنما تمنح فُرص عمل واسعة تُتيح أنماط متعددة من الاستثمار. ومن الضيافة إلى السياحة، ومن الإنتاج إلى الإبداع، إلى الصناعات التقنية والخدمات المساندة. هُنا يبرز البعد الثقافي والفلسفي؛ فالثقافة ليست مجرد نشاط نعده أو برنامج نُطلقه، إنما هو طريقة في النظر إلى العالم، وإعادة صياغة علاقتنا بالاقتصاد والمجتمع والهوية. من هنا اتضح لنا دور الرؤية في تحويل هذه الثقافة إلى استثمار حي يوازن بين العائد المادي والقيمة الإنسانية. العلا وجهة سياحية عالمية زائرة في أحضان العلا أرض الحضارات نجلاء الربيعان