كل عصر تقني يأتي مع صفقة مريبة. في عصر التلفزيون، كنا نعطى الترفيه مقابل وقتنا واهتمامنا. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، تنازلنا عن خصوصياتنا للدخول في المجتمع الافتراضي الجديد. الآن، مع ظهور أجهزة الذكاء الاصطناعي مثل هاتف قوقل الجديد، ونظارات ميتا، فقد احتدت المعادلة: تنازل عن أكثر بياناتك خصوصية لراحة أكبر. للوهلة الأولى، سيبدو الأمر صفقة ناجحة. يعد هاتفك رسائل البريد الإلكتروني، يترجم لك رسائل من لغات أخرى، ويجدول مواعيدك بدقة عالية دون تدخل منك. كل ما يحتاجه ليفعل ذلك هو تعلم عاداتك ونمط حياتك اليومي وقياس مزاجك صباح مساء. هكذا يصبح جهازك مساعدا ولا يعود أداة، على استعداد دائما، شديد الانتباه لكل ما يجري حولك. من يرفض حياة مثل هذه، سلسلة ميسرة؟ لكن يعلمنا الاقتصاد أن مكاسب من هذا النوع ليست مجانية. التكلفة مطوية في ثنايا المعاملة نفسها. كل طلب، كل تصحيح، كل نقطة بيانات تسلمها مهما صغرت، تحسن من أداء النظام ليس لصالحك فقط، إنما للشركة التي تمتلكه. تصبح حياتك اليومية بيانات تدريبية، والقيمة التي تولدها تتضاعف لصالحهم. ليست هذه المعادلة جديدة. فقد أقنعت شركات بطاقات الائتمان المستهلكين أن نقاط الولاء هدايا؛ وهي في الواقع نظام الهدف منه تعميق شعور المشتركين بالخسارة عند الانتقال إلى منافس آخر. هكذا تتبع أجهزة الذكاء الاصطناعي الاتجاه نفسه. تخيل لو رفضت مشاركة بياناتك: سترى زميلك في العمل ينعم بمساعد ذكي يوفر تأمينا أرخص أو يحجز تذكرته في دقائق، بينما يتخلف مساعدك في الوفاء بمتطلباتك الأساسية. فجأة، ستجد أن خصوصيتك لم تعد من حقوقك، إنما ضريبة تدفع بالتنازل عنها للحصول على خدمات أكثر كفاءة. على مستوى الاقتصاد الكلي، يمكن أن نسأل ما إذا كانت مكاسب التنازل عن الخصوصية تضيق مع الزيادة أم تتسع؟ نظريا، يمكن لإنتاجية الأفراد أن ترتفع، لكن الشركات التي تتحكم في خطوط أنابيب البيانات هي من تجني معظم الأرباح. يوفر المستهلكون المواد الخام، لكن الربح يصب مركزيا في أيدي القلة. لا يجب أن تدفع بنا هذه الظاهرة لمقاومة التقنية كما فعل عمال النسيج في القرن التاسع عشر. لكن يمكن لأجهزة الذكاء الاصطناعي أن تسهل حياتنا بمعالجة المشكلات الهيكلية التي تدفع بنا لبلوغ عالم يصعب الانفكاك منه، الانضمام إليه أسر والحرية منه تكلفك كثيرا. عالم المكاسب فيه حقيقية مع انحراف توزيعها، يتعمق الاعتماد عليها ويتجذر يوما بعد يوم. في النهاية، لا تتعلق صفقة الذكاء الاصطناعي الجديدة بسرعة الرد على البريد الإلكتروني فقط. إنما يتعلق الأمر بمن يجني قيمة تفاصيل حياتنا اليومية عندما تتحول إلى بيانات. قد نعزي أنفسنا أننا نشتري راحتنا. لكننا في الحقيقة نبيع حياتنا قطعة قطعة، رسالة بعد رسالة، في احتكار عالمي كبير.