تتميّز المراسم الملكية السعودية بقدرتها الاستثنائية على تحويل اللقاءات الرسمية إلى مشاهد ثقافية تُبرز هوية المملكة وتراعي تنوع الضيوف، فهي ليست مجرد جهاز بروتوكولي، بل سفير صامت يروي قصة الدولة بلغة التفاصيل. ومن أبرز النماذج التي أظهرت هذا المستوى من الحرفية، تلك الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة في مايو الماضي، حيث لعبت المراسم الملكية دورًا محوريًا في تحويل الحدث إلى لوحة تجسّد التقاليد السعودية بأسلوب عصري، وتعرض للعالم فلسفة الضيافة السعودية القائمة على التوازن بين الأصالة والانفتاح. ولعبت التفاصيل الدقيقة التي نسجتها المراسم الملكية السعودية دورًا مهمًا في تحويل الزيارة إلى لوحة ثقافية تجسّد عمق الهوية الوطنية السعودية وتراعي التنوع الثقافي العالمي في إجراءاتها البروتوكولية، فكيف استطاعت السعودية أن تدهش العالم ببروتوكولاتها الفريدة؟ تُعتبر المراسم الملكية السعودية الجهاز الحكومي الأبرز في تصميم البروتوكولات التي تبرز هوية المملكة الفريدة. فمنذ تأسيسها، ارتبطت هذه المراسم بالديوان الملكي، لتكون بمثابة سفير للثقافة السعودية لتروي قصة دولة تعتز بجذورها. وتم تجسيد الخصوصية الثقافية السعودية في كل تفصيلة بروتوكولية أثناء زيارة الرئيس ترمب، سواءً من اختيار اللباس التقليدي السعودي للضيافة، إلى اللون البنفسجي لسجاد الاستقبال، الذي أُطلق بالتعاون بين وزارة الثقافة والمراسم الملكية، ليكون رمزًا للتجديد الذي يحافظ على الأصالة، وكأن المملكة تقول للعالم: هويتنا ثابتة، لكننا نُحيي تراثنا بلغة العصر. وما يميّز المراسم الملكية السعودية قدرتها على تحويل التفاصيل الصغيرة إلى رسائل ثقافية عميقة، ففي استقبال ترمب، لفت انتباه العالم السجاد البنفسجي الذي حلّ محل الأحمر التقليدي، وهو لونٌ مُستوحى من زهور الخزامى التي تُزيّن صحارى المملكة في الربيع، ومُزيّن بنقوش السدو التراثية المُسجّلة في اليونسكو، وهذا الاختيار لم يكن جماليًا فحسب، بل جاء تعبيرًا عن كرم الأرض السعودية التي تعانق الضيوف، ولم تتوقف العروض الثقافية عند هذا الحد، فطقوس تقديم القهوة السعودية مع التمر، وارتداء البشت في المناسبات الرسمية، وإطلاق العطور العربية الأصيلة مثل العود والبخور، كلها تفاصيل تحوّل اللقاءات الدولية إلى رحلة ثقافية سعودية تستهوي الضيوف، وحتى ترتيب المآدب يخضع لتراتبية دقيقة تعكس احترام التقاليد، مثل تقديم كبار السن والأعلى مقامًا في صدر المجلس. ومع التمسك بهويتها، تُظهر المراسم السعودية مرونة لافتة في احتواء التنوع الثقافي، فخلال زيارة ترمب للمملكة، تمّت مراعاة كافة التفاصيل التي تهم الضيف ودمج الاهتمامات الأميركية في البرنامج، فحتى توقيت إلقاء كلمة سمو ولي العهد والرئيس الأميركي في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي روعي فيه أن يكون متوافقًا مع توقيت الولاياتالمتحدة ليتابعها الأميركيون، كما تمّت الاستعانة بأحدث التقنيات لإدارة الفعاليات، مثل: نظم الترجمة الفورية وتنسيق المواعيد عبر المنصات الذكية، مما يجمع بين الكفاءة التكنولوجية واللمسة الإنسانية. شكّلت زيارة ترمب للمملكة اختبارًا حقيقيًا لبراعة المراسم الملكية السعودية، فمن لحظة هبوط الطائرة الرئاسية في مطار الملك خالد، حيث استُقبل ترمب بمراسم السجاد البنفسجي، إلى المأدبة الملكية التي جمعت بين الأطباق السعودية التقليدية وخيارات المأكولات العالمية، وكلها عناصر صاغت سردية ثقافية متنوعة ومتفردة، المراسم الملكية السعودية أصبحت نقطة التقاء حضارات، ففي اللقاءات الدولية، تحرص المراسم على احترام تقاليد الضيوف، بدءًا من تقديم الأطباق التي تناسب عاداتهم الغذائية، وصولًا إلى تكليف مترجمين يتقنون لغاتهم، فأكدت زيارة ترمب للمملكة أن المراسم الملكية السعودية قادرة على تحويل اللقاءات الدبلوماسية إلى عروض ثقافية تُبرز قوة النهج السعودي في إدارة التنوع الثقافي، فعندما وضع ترمب قدميه على البساط البنفسجي، لم يكن يخطو نحو قاعة الاجتماعات فحسب، بل كان يدخل إلى فضاء ثقافي مفتوح، حيث امتزجت روح الصحراء السعودية مع إيقاع العصر الحديث. حرصت المراسم الملكية السعودية على أن تكون كل لحظة في الزيارة انعكاسًا لرؤية السعودية 2030 التي تربط بين الحفاظ على التراث ومراعاة التنوع الثقافي العالمي الحديث، ففي جولة ترمب بالمناطق التاريخية، تجول بين معالم الدرعية وشاهد أحياء الرياض الحديثة، ليشاهد كيف تُصاغ الخصوصية الثقافية في قالب عالمي. في هذه الزيارة، لاحظ العالم تلك اللحظات الإنسانية التي جمعت بين التقاليد السعودية وأناقة الضيافة العالمية، وهنا تكمن عبقرية المراسم الملكية السعودية، فلم تكن آليات بروتوكولية فقط، بل رسالة استراتيجية تقول إن المملكة قادرة على أن تكون جسرًا بين الشرق والغرب دون أن تفقد بوصلتها الثقافية، كما أنها فلسفة تعكس روح السعودية والاحترام العميق للتراث مع انفتاح واثق على العالم، ففي كل زيارة دولية، تُقدّم المملكة درسًا في كيفية الجمع بين الهوية والحداثة، مثلما فعلت مع ترمب حين حوّلت اللقاء السياسي إلى حكاية ثقافية ترويها ألوان السجاد ونكهة القهوة. هكذا، تصنع السعودية تاريخها بتفاصيل دقيقة مذهلة تخلد في ذاكرة الضيوف، فهل هناك أفضل من هذا المشهد لتروى قصة دولة تبني مستقبلها بيدين: واحدةٌ تمسك بجذورها، والأخرى تُحيّي العالم؟ *أستاذ الإعلام والاتصال المساعد