حين تتغير الهويات الثقافية تحت تأثير الحداثة والعولمة، تبرز السينما السعودية كوسيلة حيوية وملهمة لتوثيق ملامح المشهد الثقافي في المملكة، حيث أصبحت العدسة السينمائية السعودية أداةً فعالة تهتم للتفاصيل الدقيقة، وتصون عبرها ذاكرة المجتمع، ذلك من خلال أعمال فنية تعبر عن الواقع وتخلده بصدق وبراعة، منذ إعادة افتتاح دور العرض السينمائي في عام «2018». شهدت المملكة طفرة في صناعة الأفلام، تجاوزت الطابع الترفيهي البحت، إلى مساحات أعمق من التأمل والرصد الثقافي، فالسينما السعودية اليوم تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مكانتها كوسيلة توثيق فنية تحفظ اللهجات، والعادات، والأزياء، وأنماط الحياة المجتمع وسلوكه، كذلك هي تعيد تقديم المجتمع السعودي بكل ما فيه من تنوع، دون افتعال أو تصنع، بل بلغة بصرية صادقة تعبر عن الإنسان والمكان والمرحلة، وما يميز كثيرًا من هذه الأعمال هو قدرتها على إبراز البيئة المحلية كعنصر سردي أساسي، الصحراء، والقرى، والمنازل القديمة، والأسواق الشعبية، وأحياء المدن الحديثة، لا تظهر كخلفيات هامشية، بل تتجلى كأبطال لها قصصها وروحها وتأثيرها في الشخصيات. هنا تتجلى أهمية السينما كأداة لا توثق فقط للمتلقي المحلي، بل تقدم صورة حية للعالم عن المملكة بعيون أبنائها، كما ان أفلام مثل «هوبال والمرشحة المثالية»، مثلت نماذج رائدة لهذا التوجه، حيث لم تقتصر على تقديم حبكات درامية مشوقة، بل حملت على عاتقها مسؤولية تصوير اللحظات الاجتماعية والثقافية، كما تناولت هذه الأعمال قضايا الشباب، والتعليم، والمشاركة النسائية، وغيرها من موضوعات تعبر عن نبض المجتمع وتحولاته، وقد ساهم هذا التوجه في بناء أرشيف بصري غني يمكن الرجوع إليه لاحقًا لفهم طبيعة الحياة في هذه المرحلة من تاريخ المملكة، كذلك ساهم الدعم المؤسسي من جهات مثل وزارة الثقافة وهيئات المدن والهيئة العامة للترفيه وهيئة الأفلام، حيث إن هذا الدعم أتاح للمواهب في المملكة، أن تنطلق وتعبر عن نفسها بحرية ومسؤولية، مما عزز من حضور السينما كقوة ناعمة، لا تنتج فقط للعرض، بل لتحفظ وتدرس وتستشهد بها. مع تزايد الإنتاج، بدأت تتكون ملامح سينما وطنية تنطلق بقيادة أبناء الوطن، وتخاطب المشاهد المحلي، والعالمي معًا، كما تبقى السينما السعودية أكثر من مجرد أداة فنية، بل وثيقة حية تخلد الهوية، وتكرس الذاكرة، وتمنحنا الفرصة لنرى أنفسنا بعيون صادقة، في عالم لا يتوقف عن التغير. فيلم «هوبال» حقق أرقاماً قياسية في دور العرض