شهد الاقتصاد العالمي خلال الربع الأول من عام 2025، منعطفاً حاسماً في ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية والتغيرات في توجهات السياسات الاقتصادية، وقد أعلنت الولاياتالمتحدة عن فرض تعريفات جمركية شاملة وغير مسبوقة، سرعان ما قابلتها الدول الأخرى بإجراءات مضادة، ما أدى إلى تصاعد حالة عدم اليقين في الأسواق. وانعكست تلك التطورات سلبا على آفاق النمو الاقتصادي، حيث تراجع معدل النمو العالمي المتوقع إلى 2.8 % لعام 2025 مقارنة بمعدل 3.3 % لعام 2024، بحسب الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، أوابك، م. جمال عيسى اللوغاني، الذي تناول التطور في المؤشرات الرئيسية للسوق النفطية خلال الربع الأول 2025 في ظل تزايد حالات عدم اليقين، في افتتاحية النشرة الشهرية للمنظمة. وعلى صعيد أسعار النفط الخام، شهدت الأسواق تباينا واضحاً خلال الربع الأول من عام 2025 حيث ارتفعت الأسعار في شهر يناير، مدفوعة بمخاوف نقص الإمدادات نتيجة التوترات التجارية، إلى جانب تحسن التوقعات بشأن الطلب في الصين وتراجع المخزونات الأمريكية، إلا أنها سرعان ما تراجعت في شهري فبراير ومارس، بسبب عمليات البيع المكثفة في سوق العقود الآجلة، وتقلص علاوات مخاطر الإمدادات، وضعف هوامش التكرير، وارتفاع المخزونات، إلى جانب زيادة المعروض في أسواق المحيط الأطلسي. وبشكل عام، بلغ متوسط أسعار سلة خامات أوبك خلال الربع الأول 76.7 دولارا للبرميل، بزيادة قدرها 4.4 % مقارنة بالربع السابق، في حين ارتفع سعر خام برنت إلى 74.9 دولارا للبرميل، وارتفع سعر خام غرب تكساس إلى 71.4 دولارا، مدفوعا بمزيج من التوقعات الاقتصادية الإيجابية في الصين، والتوترات الجيوسياسية التي أثارت مخاوف نقص الإمدادات، وارتفاع الطلب على المنتجات النفطية المستخدمة كوقود للتدفئة خلال فصل الشتاء. وفيما يخص الإمدادات النفطية العالمية، فقد ارتفعت مستوياتها بنسبة 0.7 % على أساس فصلي، لتصل إلى نحو 103.1 مليون برميل، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة الإنتاج من كازاخستان وليبيا ونيجيريا وإيران وكندا والدول الآسيوية، مقابل تراجعه في الولاياتالمتحدةوروسيا وأذربيجان وباقي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وانخفض الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.3 % على أساس فصلي ليبلغ نحو 104.1 مليون برميل يومياً، متأثراً بانخفاض الاستهلاك في الولاياتالمتحدةوالصين وأوروبا وروسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، بينما سجلت الهند ودول آسيوية أخرى ارتفاعا في الطلب. من جهة أخرى، انخفض إجمالي المخزونات النفطية العالمية التجارية والاستراتيجية بنسبة 0.1 % على أساس فصلي ليبلغ 9.388 مليارات برميل. وفيما يتعلق بتجارة النفط، فقد استمرت الولاياتالمتحدة في كونها مستوردا صافياً للنفط الخام ومصدرا صافيا للمنتجات البترولية، ليبلغ صافي صادراتها النفطية حوالي 2.7 مليون برميل يومياً. أما الصين، فقد تراجع صافي وارداتها إلى نحو 10.7 ملايين برميل يومياً، في حين ارتفع صافي واردات الهند إلى نحو 4.6 ملايين برميل يومياً. وشهدت صناعة التكرير العالمية تطورات متفاوتة، فعلى الرغم من تراجع النشاط في الولاياتالمتحدة بسبب ضعف الطلب، والصيانة الموسمية، واضطرابات الطقس، وكذلك تراجعه في دول أوروبا وآسيا / المحيط الهادئ. وقد سجلت مناطق أخرى مناطق أخرى أداء قويا كالهندوالصين، التي ارتفعت فيها معدلات التكرير مع زيادة وارداتها من إيرانوالصين. وفي روسيا تراجع نشاط التكرير بشكل طفيف في ظل تعزيز الصادرات للحد من تأثير تشديد العقوبات الأمريكية. وفي الشرق الأوسط، ساهم بدء تشغيل مصافي جديدة مثل مصفاة الزور في دولة الكويت ومصفاة الدقم في سلطنة عمان ومصفاة كرباء في جمهورية العراق وتحديث مصفاة بابكو في مملكة البحرين، في دعم الطاقة التكريرية بالمنطقة. وقد ساهم ارتفاع أسعار النفط الخام وزيادة الكميات في زيادة قيمة صادرات النفط الخام للدول الأعضاء بنسبة 3.1% على أساس فصلي لتبلغ نحو 112.7 مليار دولار، والتي انعكست بشكل إيجابي على ميزانيات الدول الأعضاء، على الرغم من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية. وتواصل دول أوبك+ التي أعلنت عن تخفيضات إضافية طوعية في شهري أبريل ونوفمبر 2023 وتضم خمس دول أعضاء، هي السعودية والكويتالعراقوالإماراتوالجزائر، جهودها لتحقيق التوازن والاستقرار في السوق النفطية، من خلال تخفيف تخفيضات الإنتاج البالغة 2.2 مليون برميل يومياً بدأ من أبريل 2025، وإجراء زيادة في إنتاجها قدرها 411 ألف برميل يومياً على أساس شهري في مايو ويونيو 2025، أي ما يعادل 3 زيادات شهرية، مع إمكانية إيقاف الزيادات التدريجية مؤقتا أو عكسها، وفقا لتطور ظروف السوق النفطية. أما على صعيد التوقعات قصيرة المدى للسوق النفطية، فتبقى الرؤية ضبابية بسبب استمرار المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية، إلا أن التقديرات تشير إلى ارتفاع إمدادات الدول غير المشاركة في إعلان التعاون لتصل إلى نحو 53.9 مليون برميل يومياً في الربع الثاني من عام 2025، بالتزامن مع نمو الطلب العالمي إلى نحو 104.3 مليون برميل يومياً. وتبقى أبرز التحديات التي تواجه السوق النفطية مرتبطة باحتمال تصاعد التوترات التجارية العالمية، وتباطؤ النمو الاقتصادي، واستمرار التوترات الجيوسياسية. ومن المتوقع أن تواصل أوبك+ جهودها للحفاظ على استقرار وتوازن السوق النفطية العالمية. في صعيد منفصل، أكد الأمين العام لمنظمة اوابك المهندس جمال عيسى بأن المنطقة العربية حاضرة وبقوة في المشهد العالمي للغاز في ضوء حاجة السوق الأوروبي الملحة لزيادة إمدادات الغاز من المنطقة بعد انطلاق الأزمة الروسية الأوكرانية. وقال ان صادرات الدول العربية من الغاز الطبيعي المسال حققت في عام 2022 أعلى معدل لها منذ عام 2013 إلا أنها سجلت تراجعا طفيفا خلال عام 2024 لتصل نحو 108,6 ملايين طن بسبب تراجع الصادرات من مصر على ضوء تنامي الطلب المحلي واتخاذ السلطات قرارا بإيقاف تصدير الغاز الطبيعي المسال في مايو الماضي وبعض أعمال الصيانة التي تم تنفيذها في منشآت الإسالة في الجزائر. وأضاف أنه وبالرغم من هذا التراجع فقد استحوذت الدول العربية في عام 2024 على حصة سوقية مؤثرة قدرها 26,4 بالمئة لتؤكد بذلك على ريادتها كمورد رئيس معتمد في مختلف الأسواق العالمية. وأوضح أن الدول العربية لم تغب عن مشهد الاستثمارات خلال عام 2024 بل كانت حاضرة وبقوة من خلال اتخاذ قرار الاستثمار النهائي في مشروع مرسا للغاز الطبيعي المسال في سلطنة عمان بطاقة 1 مليون طن سنوياً ومشروع الرويس للغاز الطبيعي المسال في الإمارات بطاقة 9,6 ملايين طن سنوياً.. وأوضح أن تلك المشاريع بجانب حزمة مشاريع الإسالة الجاري تنفيذها حاليا في كل من قطر وموريتانيا ستعزز رفع القدرة التصديرية في الدول العربية قرابة 40 بالمئة لتصل إلى 192 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 لتعزز بذلك من حصة الدول العربية في التجارة الدولية للغاز الطبيعي المسال مستقبلا. وتولي الدول العربية اهتماماً كبيراً بصناعة الغاز، وتحتل مكانة بارزة على الخريطة العالمية، حيث إن الطلب على الغاز قد عاود النمو في عام 2024 ليسجل 406 مليارات قدم مكعب يومياً حسب التقديرات الأولية محققا بذلك نموا نسبته 2,8 في المئة. وأشار إلى ارتفاع الإنتاج العالمي للغاز هامشيا بنسبة 1,5 بالمئة خلال عام 2024 ليسجل 404 مليار قدم مكعب يوميا مبينا أن الولاياتالمتحدة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ ومنطقة الشرق الأوسط ساهمت بالنصيب الأكبر من نمو الإنتاج العالمي كما احتفظت الولاياتالمتحدة بمكانتها كأكبر منتج للغاز الطبيعي عالميا خلال عام 2024. فيما كان لمحدودية نمو الإمدادات عالميا خلال عام 2024 أثرا على الأسعار الفورية التي اتخذت مسارا تصاعديا في الأسواق الأوروبية والآسيوية لتحقق مكاسب بنهاية العام بلغت نحو 49 بالمئة في السوق الأوروبي ونحو 24 بالمئة في السوق الآسيوي. وتشكل تجارة الغاز الطبيعي المسال قرابة نصف حجم إجمالي التجارة العالمية للغاز لتسجل أكثر من 411 مليون طن في عام 2024 وهو أعلى رقم تسجله في تاريخها مبينا أن ذلك يعود إلى استمرار نمو الطلب الآسيوي بفضل الصينوالهند علاوة على نمو الطلب في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد ذروة في الطلب على الغاز الطبيعي خلال شهور الصيف لتلبية الطلب المتنامي على الكهرباء. ويحفز استمرار نمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال على ضخ المزيد من الاستثمارات في مشاريع الإسالة الجديدة حيث إنه من المتوقع أن يشهد عام 2025 دخول أربعة مشاريع إسالة جديدة حيز التشغيل في كل من الولاياتالمتحدة وكندا وموريتانيا ستساهم في إضافة نحو 27 مليون طن سنوياً إلى طاقة الإسالة العالمية. كما من المتوقع أن يتم اتخاذ قرار الاستثمار النهائي في مشاريع إسالة جديدة في أفريقيا وأمريكا الشمالية. وأكد اللوغاني حرص الأمانة العامة على المتابعة المستمرة للتطورات والمستجدات في السوق العالمية للغاز الطبيعي من خلال إعداد دراسات وتقارير دورية لدراسة تطورات قطاع الغاز الطبيعي وانعكاساتها على الدول العربية. وأشار إلى أن الأمانة العامة تولي اهتماما خاصا بموضوع الهيدروجين الذي يشهد تطورات كبيرة في الدول الأعضاء حيث خصصت لذلك تقريرا دوريا يتناول تحليا لأبرز التطورات التي يشهدها الهيدروجين في مجال السياسات والاستراتيجيات الوطنية والمشاريع المزمع تنفيذها وهو بات يعد أحد المراجع الرئيسية للبيانات والتحليلات في الصناعة. وارتفع عدد المشاريع المعلنة في الدول العربية حتى نهاية 2024 إلى 127 مشروعا، وأن نجاح الدول العربية في تجسيد هذه المشاريع سيمكنها من لعب دور مهم في القطاع والظفر بحصة جيدة من هذا السوق الواعد.