ما تطرحه مبادرة السلام في غزة إنما يشكل الفرصة الأخيرة التي يمنحها النظام العالمي للقوى الغربية التقليدية أن تكون فاعلة ومؤمنة بحقيقة السلام، فما بعد سلام غزة ليس كما قبله، ونهاية الحرب في غزة وتنفيذ مشروع السلام فيها هو الفرصة الأخيرة لأميركا كقطب عالمي كي تمارس نفوذها من أجل قيام دولة فلسطينية.. السلام الذي تنشده المنطقة هو السلام الفعلي الذي يضمن للجميع الاستقرار دون مخاطر متاحة لمن يمسك العصا ليهدد بها المنطقة، هناك أسئلة ومناقشات أساسية تحيط بفكرة الأمن والاستقرار في المنطقة، وبرغم المحاولات العديدة لتحقيق السلام إلا أن هذه الأسئلة تواجه الكثير من التحديات التي تعود دائما بفكرة السلام إلى نقطة البداية، فكرة السلام الحقيقة هي تلك الفكرة التي لا تهمل المصادر الأساسية المسببة لانعدام الأمن والاستقرار، لقد اعتادت المنطقة على تلقي الصدمات الواحدة تلو الأخرى وفي كل مرة يتم طرح ذات السؤال: كيف غفلت السياسة والمحللون السياسيون عن توقع تلك التطورات؟ اعتادت المنطقة أن تسمع من السياسيين في الغرب والشرق أنها مع كل مشروع سلام هي تدخل في مرحلة جديدة ومنعطف من الاستقرار لم يحدث مثله من قبل، ومن ثم تفاجئنا منطقة الشرق الأوسط باندلاع أزمة جديدة تحطم افتراضات الاستقرار والأمن في المنطقة، وهذا ما حدث عندما بدأت أحداث السابع من أكتوبر في غزة، والتي أسفرت عن تلك الأعداد الهائلة من القتلى والجرحى والمشردين والجائعين، وقد خلقت تلك الأحداث من الآثار السلبية على المنطقة الكثير والكثير من الأزمات. أما نحن في المنطقة ففي كل مرة تفاجئنا المنطقة بتطوراتها لنعيد ذات الأسئلة والحوارات حول السبب الرئيس ومعادلة القوة والتفوق الذي يتحكم في الأزمة، ولعل السؤال الذي يمكن طرحة الآن مقرون بقضية مهمة تتعلق بتسعير أخطار المنطقة من خلال تلك الأزمات ونتائجها، بمعنى أكثر وضوحا فإن المنطقة قد لا تسمح مرة أخرى بفكرة تسعير أخطارها من جديد في مقابل الاستقرار الذي لم يتحقق منذ ما يقارب من ثمانية عقود مضت. المنطقة اليوم بدعمها لفكرة السلام في غزة تمنح الإدارة الأميركية الفرصة الأخيرة للوصول إلى نهاية مناسبة لنفق الأزمة الفلسطينية عبر إنشاء دولة فلسطينية، نظرياً فإن ما تطرحه مبادرة السلام في غزة إنما يشكل الفرصة الأخيرة التي يمنحها النظام العالمي للقوى الغربية التقليدية أن تكون فاعلة ومؤمنة بحقيقة السلام، فما بعد سلام غزة ليس كما قبله، ونهاية الحرب في غزة وتنفيذ مشروع السلام فيها هو الفرصة الأخيرة لأميركا كقطب عالمي كي تمارس نفوذها من أجل قيام دولة فلسطينية. اليوم استطاعت دول الشرق الأوسط بقيادة سعودية ودعم عربي ودولي أن تضع السطر الأخير في أزمة الشرق الأوسط والمتمثل بقيام دولة فلسطينة مستقلة، وهذه الفكرة هي آخر الاتجاهات المطلوب دفعها من أجل أمن واستقرار المنطقة، خطة السلام في غزة والمقبولة عربيا ودوليا كما يبدو لن تكون مجرد محطة جديدة من محطات السلام المعتادة والتي يتم تسعيرها كخطر جديد يصيب المنطقة ويجب دفع ثمنه، خطة غزة للسلام ينتظر منها أن تؤدي في النهاية إلى دولة فلسطينية مستقلة وهي فكرة تحدث عنها العالم واعترفت بها معظم دول العالم وأصبحت هي نقطة الحوار والنقاش مع الجانب الأميركي والإسرائيلي، ومن هنا فكل حديث مستقبلي حول فلسطين لن يكون له عنوان سوى سؤال واحد: أين ومتى الدولة الفلسطينية التي كانت السبب في نهاية أزمة غزة؟ عملياً هناك فكرة تقول إن الأمن والاستقرار الحقيقيين لا يأتيان من الأعلى إلى الأسفل بل من الأسفل إلى الأعلى، ولذلك فإن السلام الذي تم توقيعه من أجل غزة يجب أن ينتج دولة فلسطين وإلا فإن التحدي الوحيد المتاح هو تنحي الاستقرار والأمن من فكرة السلام المطروحة أمام العالم اليوم، ما يجب أن يقلق أميركا هو فكرة تقول إن التحولات المحتملة في النظام العالمي سوف لن تترك الشرق الأوسط دون أن يتأثر بها وبتحولاتها، وهذا ما يجعل فكرة السلام المطروحة اليوم إنما تشكل الفرصة الأكثر حيوية والتي يجب استثمارها من أجل إنتاج دولة فلسطينية تحسم كل الفرضيات المطروحة حول فكرة الاستقرار. أزمة غزة أكدت أن هناك حاجة ماسة إلى إصلاح جذري لكيفية تصور العالم -وخاصة أميركا- للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وهي الفرصة الأخيرة لتغيير مسار تسعير الأخطار ليتم استبدالها بفكرة الاستقرار وإزالة الأخطار من منطقة أصبحت متاحة بشكل كبير لمشاركة محتملة من قوى دولية فاعلة كالصين، وهذا ما يعني أن معادلة التفوق في المنطقة أصبحت متاحة لأقطاب مختلفة وليس لقطب واحد، وهنا لابد من الإشارة إلى أن التسعير في الأخطار الخاصة بالأمن والاستقرار في المنطقة الذي فرضته أزمة غزة سيكون هو الأخير، لأن سلام غزة هو السلام الوحيد الذي ينتظر دولة فلسطينية، وإذا لم يتحقق ذلك فإن النتائج ستكون مقلقة للجميع وليس للمنطقة لوحدها.