لئن كانت المملكة العربية السعودية مهد العربية، وقلبها النابض، وحاضنها الأول منذ الأزل، فإن الخطَّ العربي أحدُ أشكال الهوية اللغوية، والثقافية، والتاريخية، والجمالية، إذ ما زال عمقاً راسخاً، وفنًّا متجدّداً، يحكي قصةً من قصص خلود اللغة العربية، وتطورها؛ لهذا ما زلتُ أذكر تلك العبارة الجميلة لسمو وزير الثقافة: الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، عندما قال في العام 2021م - وهو العام الذي سُميّ ثقافيّاً (عام الخط العربي) -: «قصة ثقافتنا مع الخط العربي تتجاوز كل الحدود التقليدية؛ هي قصة حضارة وإرث وثقافة وحياة»؛ ولذلك أولت المملكة العربية السعودية من خلال وزارة الثقافة اهتماماً بالغاً بالخط العربي؛ نظراً لما يمثله الخط من ارتباط وثيق باللغة العربية، وما يمتلكه من تاريخ عريق، وجماليات متنوعة. وإذا كان الخط العربي رمزاً ثقافيًّا من رموز هوية المملكة العربية السعودية، ومصدراً ملهماً للفنانين، والمعماريين، والمهندسين، وغيرهم محلياً وعالمياً؛ فإن الاعتناء به، وتعزيز حضوره في الجانب التعليمي، والحكومي، والرسمي، لهو جزء من ترسيخ الانتماء الوطني، وتعزيز الإرث العربي، وهو ما سيحوله من رمزية شكلية، إلى سيميائية جمالية، تحمل في طياتها كثيراً من الدلالات الثقافية، والمعرفية، والتاريخية، والوطنية التي تجعل الخط أيقونة تجسّد ثراء الثقافة العربية، وفنّها المتجدد، وإرثها الحضاري. إن تقديم المملكة العربية السعودية بوصفها مركز الخط العربي، وراعيته، يجعلها رائدة في دعم جمالياته، وتعزيز معانيه، وهو عملٌ رائع يستحق الإشادة؛ ذلك لأنه يتوافق مع خدمة اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ولغة العلوم، والمعارف، والحضارة الإسلامية. وقد أخذت وزارة الثقافة في ترسيخ هذا الاهتمام منذ سنوات، وتحديداً منذ مبادرة الخط العربي التي أُعلِن عنها في عام 2020م، وكان باعثاً لتسجيل بعض الخطوط العربية الجميلة، كخط النسيب، وخط المصمك، وخط عام الشعر العربي، وخط عام الحرف اليدوية، وهي خطوط تأتي استكمالاً للخطوط العربية الأصيلة، وتتماشى معها، توظيفاً، وتجديداً. ولأن أرض المملكة العربية السعودية منطلق الحضارات الإنسانية العريقة، فقد كانت وما زالت موطن الخطوط والنقوش المختلفة، كخط المسند، والنبطي، والثمودي، وغيرها، وهي خطوط موغلة في القدم، ويمكن أن نعدها نواة الخط العربي، وجذره الأول، وقد لوحظت تلك الخطوط في كثير من النقوش، والألواح، والمخطوطات القديمة؛ لهذا يأتي الخط السعودي امتداداً لتلك الخطوط القديمة، إذ يجمع بين أصالة الخط، وعراقته، وجماليته، كما يمنح الخط ملمحاً وطنيًّا يرمز للأصالة، والتطور. ويكشف الخط السعودي عن قيمته من خلال ما يستمده من جماليات (الخطّ العربيّ) المتنوعة، ليضيف إلى هويته العربية هوية أخرى، لا تجعله خطاً عابراً، أو عادياً، أو مجرد وسيلة، أو أداة للتدوين والتوثيق، وإنما تصنع منه أيقونة ذات أبعاد مهمة، ترسّخ الهوية الوطنية، وتقوّي من قيمة التراث الثقافي العربي؛ لذلك ينبغي أن نزجي الشكر أوفره وأكثره للقائمين على هذه المبادرة الرائعة في وزارة الثقافة، وهي جهود مشكورة ومباركة تضاف إلى مبادرات أخرى ذات صلة، كعام الخط العربي، وإحياء مجمع (دار القلم) في المدينةالمنورة، الذي أصبح منصةً عالمية للخط العربي يحمل اسم (مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي)، وإدراج (الخط العربي) ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو عام 2022م، الأمر الذي سيجعل الخط السعودي خطاً أكثر استعمالاً وجمالاً، كلما أسهمنا في تعزيزه، وتطبيقه، والترويج له.