يحتفل العالم أجمع باليوم الدولي للسلام في الحادي والعشرين من كل عام، وخصّصت الجمعيّة العامة لليونسكو هذا اليوم لترسيخ المثل العليا للسلام بين جميع الشعوب والأمم وداخل كل منها. وقد أطلقت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للسلام عام 1981م ، وتدعو الأممالمتحدة جميع الأمم والشعوب إلى الالتزام بوقف القتال في هذا اليوم والاحتفاء به من خلال الأنشطة المعلوماتية وتوعية الجمهور حول قضايا السلام. وثقافة السلام هي ثقافة الحوار والوقاية، ولم يبلغ دور الأممالمتحدة قط في هذا السياق ما بلغه من الأهمية في الوقت الراهن. وتؤكد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أن "لا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة". والمملكة العربية السعودية منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- وهي تحرص على دعم السلام العالمي في كل مكان، وهذا من أهم مبادئها، وارتبط ذلك بالمبادرات الإنسانية الداعمة للسلام دون تمييز عرقي أو ديني أو طائفي أو غير ذلك. لغة سياسية هادئة والمملكة منذ توقيعها على ميثاق منظمة الأممالمتحدة عام 1945 م أصبحت داعمة ومناصرة لجهود المجتمع الدولي سعياً لإحلال الأمن والسلام الدوليين، مرتكزة على ثقلها السياسي ودورها الريادي عربياً وإسلامياً، وبمشتركات مبادئ الميثاق فعملت وما زالت على معالجة مختلف القضايا بالحوار البناء، وتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية، ومكافحة الإرهاب. وقد أثبتت اللغة السياسية للمملكة العربية السعودية أنها كانت ولا تزال لغة سياسية هادئة تبحث عن مسالك دبلوماسية متزنة تحقق مصالحها ومصالح الآخرين وفق منهجية ومقاربات ثابتة. ويعكس تاريخها دورها في صناعة السلام الذي ينطلق من مبادئ مهمة؛ فالاستقرار مطلب مهم في صناعة السلام وبناء المستقبل السعودي. وقد أثبتت المملكة للعالم أجمع أنها تسعى لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار العالمي من خلال نقل محيطها الإقليمي من مرحلة النزاع والفوضى إلى مرحلة الاستقرار والسلام والازدهار والتقدم، للوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة بكل حرفية ومهنية في ظل استراتيجية سياسية عقلانية متزنة بعيداً عن تقييمها كنهج للتحدي أو التحيز السياسي. وتستمر مسيرة السلام السعودية لدعم السلم في العالم، والمساهمة في نشر السلام الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين، محمد بن سلمان -حفظهما الله- في استضافة العديد من الفرقاء على أرض المملكة المباركة ومهبط الوحي الكريم، بغرض الصلح والتصالح، من أجل السلام ونماء الشعوب، وإعمار للحياة الاجتماعية والاقتصادية التنموية في العالم وما هذا النهج إلا من باب قول الله تعالى: "والصلح خير". والمملكة تنادي دوما بضرورة العمل الجاد لتحقيق الأمن والسلم الدوليين والدعوة للحل السياسي والحوار لجميع النزاعات، تماشيا مع الأعراف والمواثيق الدولية، التي تحث على تكريس العمل من أجل السلام وتحقيقه، من أجل رفاهية الشعوب وتحقيق الأمن والاستقرار والدفع بعجلة التنمية المستدامة، وحث شعوب العالم ودوله على إرساء قيم التسامح والتعاون ونبذ جميع أشكال الكراهية والتفرقة بين الشعوب والثقافات. السعودية والسلام ولم يغب الدور السعودي تاريخياً عن صنع السلام في كثير من القضايا الإقليمية والدولية. هذا ما تحدث به د. علي الخشيبان عبر "الرياض" مضيفا: لقد عبرت السعودية عبر تاريخها الكثير من الممرات التي كانت فيها صانعة حقيقية لسلام ناجح، ولعل أكبر الأدلة تتمثل في اللغة السياسية السعودية التي كانت وما زالت لغة سياسية هادئة تبحث عن مسالك دبلوماسية متزنة تحقق مصالحها والآخرين وفق منهجية ومقاربات ثابتة، فالسياسة السعودية تؤمن -كما يعكس تاريخها- أن دورها في صناعة السلام ينطلق من مبادئ مهمة؛ فالسلام وصناعته هما أكثر من غياب الحرب أو توقفها، فالاستقرار مطلب مهم في صناعة السلام وبناء المستقبل. وصناعة السلام ليست مجرد استضافة دبلوماسية تنتهي بانتهاء فعالياتها، فمقاربة السلام التي تبنتها السعودية في القضية الأوكرانية - الروسية تهدف في النهاية إلى خلق ضمانات سياسية وفق معايير وقوانين تضمن ولادة سلام مكتمل تتمكن فيها روسياوأوكرانيا من الحصول على فرص سلام حقيقية تساعد على تسوية النزاع والخلاف، ومن جانب آخر تتفهم السياسة السعودية الوضع التاريخي المعقد الذي يلف المساحة الجغرافية التي تجتمع فيها روسيا مع أوكرانيا، فالتاريخ الأوروبي تاريخ مليء بالصراعات والتداخل في هذا التاريخ يتطلب دوراً كبيراً من أطراف متعددة حول العالم. وعندما استضافت السعودية هذا المؤتمر فإنها تدرك أن الهدف هو السعي إلى معالجة قضية كبرى تتطلب تدخل دول كثيرة وبحثها مع أطراف متعددة، فهذه الحرب الدائرة تمتلك مؤشرات كبرى وخطيرة يمكنها تهديد الأمن والاستقرار الدولي، فالكثير من القضايا الدولية أصبحت مهددة بالانفجار نتيجة هذه الحرب وخاصة إمدادات الغذاء العالمي، وهي قضية مهمة ولعل هذه الفكرة واحدة من أكثر الأفكار التي تجيب على الأسئلة الكبرى حول الأسباب التي دعت السعودية إلى تبني مستمر ودائم لفرص السلام بين المتحاربين. ثقافة السلام وفي الكثير من المناسبات الدولية، تؤكد المملكة العربية السعودية دورها الريادي في أهمية نشر ثقافة السلام محليًا ودوليًا، وتعزيز آليات الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة حول العالم، مؤكدة أن تعزيز مفهوم السلام يتحقق من خلال تشجيع علاقات الاحترام المتبادل، وتسوية الصراعات بالوسائل السلمية، وتعزيز الحوار والتضامن بين مختلف الحضارات والشعوب والثقافات. هذا ما قاله د. محمد المسعودي عبر "الرياض" مضيفا: أنه وتزامناً مع اليوم العالمي للسلام، وتكريساً لتعزيز مُثله وقيمه في أوساط الأمم والشعوب وفيما بينها، جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -في وقت سابق- أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ألقاها -حفظه الله- مؤكدةً استشعاره الكبير للدور القيادي المسؤول للمملكة، والذي اكتسب فيه خطاب المملكة أهمية بالغة جدًا، بوصفها القائد الحقيقي للعالمين الإسلامي والعربي، فضلاً عن محورية دورها المسؤول في مجابهة قضايا المنطقة ومحاربة الإرهاب والتطرف ومعالجة التحديات العالمية. حيث دعا في كلمته -حفظه الله- إلى التعايش والسلام والاعتدال، والتكاتف بين دول العالم وشعوبها في مواجهة التحديات الإنسانية الاستثنائية المشتركة، التي تواجه عالمنا، مؤكداً مواقف المملكة حيال أهم القضايا والمستجدات الإقليمية والدولية، وهي مواقف ثابتة راسخة تتسم بالوضوح والمصداقية، وتهدف إلى إحلال الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة والعالم. خيار استراتيجي ويضيف: من السلام وإليه، سأنطلق تركيزاً على جهود المملكة فيه، بدءاً من قضية "فلسطين"، التي حرصت فيه المملكة عبر تاريخها وامتداد ملوكها بالإيمان أن السلام هو الخيار الاستراتيجي للمملكة من خلال دعمها جميع الجهود الرامية للدفع بعملية السلام، ومنه فقد طرحت عدة مبادرات تاريخية للسلام منذ العام 1981م، متضمنة مبادرات سلام مرتكزة لحل شامل وعادل للصراع العربي - الإسرائيلي، يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وقيام دولة مستقلة عاصمتها القدسالشرقية، وفي نفس المنعطف نجد أن المملكة امتداداً لجهودها عقدت ودعمت بجهودها اتفاق سلام تاريخي تم توقيعه بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين في العام 2007م بمكةالمكرمة. ولم تكن المرة الأولى، التي تعقد فيها السعودية اجتماعات للسلام بين الجهات المتناحرة، فسبق لها أن جمعت فرقاء "لبنان" في العام 1989م، في اتفاق سلام تاريخي أُطلق عليه "اتفاق الطائف"، أوقفت فيه المملكة القتال بلبنان من أجل تحقيق وفاق وطني وتسوية صراع لبناني - لبناني، ومنذ بداية حربها في إبريل 1975م، حتى حالفها النجاح في اتفاق "الطائف" الشهير. كما لم تقتصر جهود السعودية لدعم السلام على عقد اللقاءات لتوقيع اتفاقات سلام بين الجهات المتخاصمة، وإنما شملت أيضًا استخدام القوة، لنصرة الحق وتعزيز الشرعية ونجدة الملهوف، وهو أحد أوراق السلام، عندما خاضت المملكة حربًا شرسة، من أجل إعادة الحق المسلوب إلى دولة الكويت الشقيقة، التي احتلّها العراق في العام 1991م. راعية سلام وفي العام 2011م، تكرر المشهد في مملكة البحرين الحبيبة التي شهدت أحداث شغبٍ بسبب تدخلات إيران، فسارعت المملكة بإرسال قوات درع الجزيرة إلى المنامة، بناء على طلب حكومة مملكة البحرين فأجهضت بذلك الرياض المخطط الإيراني في إثارة الاضطرابات داخل المنامة. وكما يشير اتفاق السلام التاريخي في سبتمبر 2018م، الذي وقع بين إثيوبيا وإريتريا في مدينة جدة، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -يحفظه الله- إلى مكانة المملكة السياسية والدولية التي تتمتع بها، كدولة داعمة وراعية للسلام بين الفرقاء في جميع أنحاء العالم. كما يعيد التاريخ نفسه في دولة اليمن التي لجأت إلى المملكة، وطلبت إغاثتها وعونها في مواجهة الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران على الشرعية هناك، ومنه سارعت المملكة بتأسيس تحالف عربي إسلامي، للدفاع عن الشعب اليمني وصد العدوان الحوثي، بحزم وعزم المملكة لعودة الشرعية اليمنية إلى حكومة البلاد وتستعيد كامل سيادتها واستقلالها، ويتراجع الحوثيون عن انقلابهم. وبمناسبة اليوم الدولي للسلام الموافق ليوم 21 سبتمبر، وامتداداً للمبادرة السعودية التي أعلنت في مارس 2021م، واستكمالاً للقاءات والنقاشات التي أجراها الفريق السعودي برئاسة سفير خادم الحرمين الشريفين لدى اليمن محمد آل جابر وبمشاركة من الأشقاء في سلطنة عُمان في صنعاء خلال الفترة من 17 إلى 22 رمضان 1444ه الموافق 8 إلى 13 أبريل 2023م، واستمراراً لجهود المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان للتوصل لوقف إطلاق نار دائم وشامل في اليمن والتوصل لحل سياسي مستدامٍ ومقبول من الأطراف اليمنية كافة، فقد وجهت المملكة هذه الأيام دعوة لوفد من صنعاء لزيارة المملكة لاستكمال هذه اللقاءات والنقاشات. والشيء بالشيء يذكر فقد سبق وأجرى سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد محادثات مثمرة للغاية وبناءة» مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تطرقت الى العلاقات الثنائية، وركزت على الأزمة اليمنية حيث عبر الأمين العام عن امتنانه العميق لولي العهد على السخاء في جهود تخفيف معاناة الشعب اليمني. قيم السلام خلال الجولة الآسيوية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعلن في بيان رسمي مشترك مع الحكومة الماليزية عن إنشاء مركز عالمي للسلام يكون مقره ماليزيا باسم "مركز الملك سلمان للسلام العالمي". ومركز الملك سلمان للسلام العالمي يعد مبادرة سعودية لنشر قيم السلام والتسامح. وأهداف المركز: ترسيخ مفهوم الوسطية والاعتدال، وتكوين وتعزيز الصورة الإيجابية عن الإسلام، وإيضاح حقيقة الشبهات السلبية المثارة عن الإسلام، إضافة لتعميق الوعي الديني لدى المسلمين، ومحاربة الفكر المتطرف والإرهاب. والجهات التي تشرف على المركز هي: مركز الأمن والدفاع بوزارة الدفاع الماليزية، رابطة العالم الإسلامي، جامعة العلوم الإسلامية الماليزية، مركز الحرب الفكرية بوزارة الدفاع السعودية. وللمملكة جهود كبيرة وعظيمة في دعم السلام العالمي نذكر بالإضافة لتأسيس مركز الملك سلمان للسلام العالمي في ماليزيا.، تأسيس مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بفيينا، تأسيس التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، تأسيس واستضافة المركز الدولي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" بمدينة الرياض، برنامج مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لتعزيز مفاهيم التعايش مثل برنامج (سلام للتواصل الحضاري)، الحوار بين المملكة والفاتيكان عام 1965 م وصدور وثيقة توجهات من أجل حوار بين المسيحيين والمسلمين )، دعم مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب الذي أنشئ بفكرة سعودية، الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابية، انعقاد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكةالمكرمة 2008م. والمملكة العربية السعودية دائماً ومنذ تأسيسها وامتداد ملوكها، في طليعة الدول الساعية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، فثبتت اسمها كدولة راعية للسلام وداعمة له، يروي التاريخ صفحات مشرّفة تشهد لها بجهود كبيرة ومضنية، لنشر ثقافة السلام والوئام ودعم الأمن والاستقرار، وتقبل الآخر بين الدول أو الجهات المتناحرة، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما على مستوى العالم بأسره.