تمتلك محافظة الأحساء ثراءً عظيماً في العديد من الأبعاد الفنية والمهارية والحرفية ما جعلها -ماضياً وحاضراً- تتكئ على إرثٍ تاريخي وحضاري كبير، ومن بين تلك الأبعاد التي امتلكها -ولا يزالون- أبناء هذه الواحة مهارة الحياكة التي تفردوا بها بين جميع الأقطار، فمهاراتهم وذوقهم ودقتهم في الحياكة عموماً ومنها البشوت أبقت على الأحساء المكان الأبرز والأفضل لخياطتها، ولا شك أن تلكم المهارة انساقت على حياكة جميع الأنسجة، ومنها حياكة كسوة الكعبة المشرفة، فقد دعت شهرة الأحساء الضاربة في أعماق التاريخ في الحياكة ونسج الخيوط وفن التطريز الملك الموحّد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – بطلب كسوة للكعبة من صناعة أيدي أبناء الأحساء حينما توقف جلبها من مصر سنة 1343 ه، وهو ما يفخر به أبناء الأحساء حتى اليوم. أسرة السقوفي الدكتور أحمد بن عبدالرحمن السقوفي أكد ل(الرياض) أن أجداده من أسرة السقوفي تشرفوا في العام 1221 ه الذي تزامن مع عهد الدولة السعودية الأولى بحياكة كسوة الكعبة، مذكراً بأن كسوة الكعبة في العهود التي سبقت قيام الدولة السعودية الأولى كانت تجلب من مصر إلى الحرم المكي، وكانت تكسى من قبل محمد علي باشا، إلا أنه في سنة 1221 ه في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز توقفت مصر عن إرسال الكسوة، فبحثوا عن أمهر الحاكة والنساجين في البلاد، ووقع الشرف والاختيار -ولله الحمد- على أسرة السقوفي، الذين كانوا يقطنون في حي الكوت بمدينة الهفوف، وتم التواصل مع أفراد الأسرة وقاموا بهذا الشرف العظيم ونالوا شرف المكان والمهنة، وقامت الدولة السعودية في العام الذي يليه وهو 1222 ه كذلك بحياكة الكسوة في البيت نفسه الذي نسجت فيه الكسوة الأولى، وأشار إلى أنه سمع بكل ذلك من جده ووالده -يرحمهما الله-، كما يؤكد الكلام ذاته كبار السن المجاورين لمنزل أسرة السقوفي في حلة الرويضة بحي الكوت. وأضاف د. أحمد إلى أن المؤرخ والباحث د. فهد الحسين أكد بعدد من الإثباتات والشهود على أن بيت أسرة السقوفي الذي تبلغ مساحته 198 متراً مربعاً يضاف لها بستان خلف المنزل هو المكان الذي كانت تحاك فيه كسوة الكعبة، نظراً لكونهم كانوا معروفين بأنهم خياطين ونساجين مهرة، كما أنهم كانوا تجاراً للأقمشة. الأحساء الباحث والمهتم بالشأن التاريخي عبدالله بن حمد المطلق أشار إلى أنه وفي الدولة السعودية الأولى عقب سيطرة الإمام سعود بن عبدالعزيز الكبير على مكةالمكرمة سنة 1220ه، بلغت شهرة الأحساء في حياكة العبي والنسج الآفاق، فكان الأشراف والأعيان في مكةالمكرمة يرتدون العباءة الأحسائية كنوع من التفاخر، واعترافاً بما لهذه البلد من فن وإتقان في صناعة العباءة، كما كان الشريف غالب بن مساعد (1202 – 1228ه) حاكم مكة يرتدي الملابس التي يرتديها كبار أهل مكة وعلى رأسه غطاء من الحرير وعليه عباءة صناعة الأحساء، لما تمتاز هذا البلد من جودة وتخصص في هذه الحرفة والصنعة، ودفعت سمعة الأحساء حاكم الحجاز الإمام سعود بن عبدالعزيز الكبير بتكليف الصُنّاع والمهرة الأحسائيين لصنع كسوة للكعبة المشرفة، وذلك من العام 1221ه، وحتى 1227 ه، فقد كسا الإمام الكعبة بكسوة أحسائية قيلانية مطرزة بالذهب والفضة، وكانت تحاك كسوة الكعبة في الأحساء وترسل إلى الحجاز لما وجد في التجربة الأولى من نجاح باهر وتميز، ولفت المطلق أنه وخلال تلك الحقبة توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة المشرفة لمدة سبع سنوات حتى تستقر الأمور في أرض الحجاز، حيث أعادت مصر إرسال الكسوة في شوال 1228ه. مكان حياكة الكسوة أشار عبدالله المطلق إلى أن كسوة الكعبة نسجت في الأحساء سنة 1221ه، في منزل عيسى بن شمس بمدينة المبرز -أحد أبناء عائلة الشمس-، وكان يقطن في شارع الحاكة في فريق (حي) المجابل، وكان في حقبة اشتهرت عدد من العوائل بحي المجابل بمدينة المبرز بعمل نسج وخياطة المشالح، كعائلة السيافي، والبوعريش، والقديحي، ولم يستبعد المطلق أن تكون تلك الأسر قد ساهمت وشاركت في نسج الكسوة الشريفة، إضافة لبعض النساجين من مدينة الهفوف. في السنة الثانية عام 1222ه، انتقلت صناعة الكسوة إلى مدينة الهفوف وبالتحديد في منزل الشيخ أحمد بن عمر الملا (1240ه)، الواقع في حي الكوت بفريق (حي) الرويضة، وذلك لأن منزله واسع، على مساحة ألف متر مربع، وكان ذلك بإشراف عبدالله بن إبراهيم السقوفي، وبعد الفراغ منها أرسلت إلى مكة عن طريق ميناء العقير إلى ميناء جدة، خشية عليها من قطاع الطرق المتربصين. ونتيجة للإتقان والجودة استمرت صناعة الكسوة في الأحساء إلى آخر عهد الدولة السعودية الأولى سنة 1227ه، متنقلاً نسجها بين مدينة المبرزوالهفوف، ويشير المطلق إلى أن الكعبة المشرفة كسيت تسع كسوات من القز الأحمر المطرزة بالذهب والفضة. الملك الموحد والكسوة بين المطلق أن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه - عندما كان في الحجاز ولم تأتِ الكسوة للكعبة كما هو معتاد من مصر، أمر -رحمه الله- بعمل الكسوة الشريفة في الأحساء، وهذا ما تم، حيث تم نسجها وتطريزها على أكمل وجه، وأرسلت من الأحساءلمكةالمكرمة في حينه ووضعت على الكعبة المشرفة صبيحة يوم عيد الأضحى المبارك عام 1343 هجرية، 1925م. د. أحمد يشير إلى منزل أسرته التي تشرفت بحياكة كسوة الكعبة أطلال منزل الملا الذي حيكت فيه إحدى كسوات الكعبة المشرفة