يروى أن الملك فيصل، تغمده الله برحمته، عندما خرج للصلاة بعد رسالة التهديد باحتلال آبار النفط أن الابتسامة كانت لا تفارق محياه في المسجد يومها. وذلك لينقل رجال أميركا في المسجد لأميركا أن المملكة غير مكترثة بما جاء في الرسالة التي سلمت له. واليوم نتعرض من جديد لموقف نكران الجميل من واشنطن. وأنا أقول نكران الجميل لان المملكة قدمت للولايات المتحدة الكثير منذ اللقاء التاريخي بين المؤسس وروزفلت على ظهر الطراد كوينسي-هذا اللقاء الذي أسس لعلاقة تاريخية واستراتيجية بين البلدين دامت كل هذه السنين. وبدون شك فإن المملكة قد جنت فوائد عظمى من علاقتها الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة. وليس الأمن والاستقرار الذي ننعم به هو الثمرة الوحيدة التي حصدناها من الاتفاق الذي تم بين الشخصيتين البارزتين عام 1945. فاكتشاف النفط الذي شكل الركيزة الأساسية لتطورنا الاقتصادي هو الآخر كان نتيجة بل وأساسا لتلك العلاقة المتميزة. ولكن من ناحية أخرى فنحن قد لحقت بنا خسائر فادحة نتيجة هذه العلاقة. والسبب يعود إلى أن المملكة كانت دائماً وفية لتحالفاتها الاستراتيجية. وليس ذلك وحسب وإنما كانت تسعى دائماً لاحتلال موقع متميز في تلك التحالفات. وهذا أمر مثلما نعلم مكلف، ولكن هذا هو طبعنا، فنحن السعوديين نحب دائماً التميز والسير في المقدمة؛ ولهذا رأينا المملكة تخوض غمار الحرب الباردة جنبا إلى جنب مع الولاياتالمتحدة. بل وتتقدم عليها في بعض الأحيان. والمعارك التي خيضت في أفغانستان وتخاض الآن في الشرق الأوسط هي أكبر دليل على الدور الطليعي الذي نتبوؤه، فالولاياتالمتحدة لو تأملت أو عملت جردا بسيطا لكل الحروب المهمة التي خاضتها بعد الحرب العالمية الثانية، سواء منها الحارة أو الباردة، فسوف تجد أننا دائما معها، هذا إذا لم نكن في الصدارة. ولذلك فإن تنصيب الولاياتالمتحدة لنفسها باعتبارها المنتصر الوحيد في الحرب الباردة هو بمثابة سرقة لكل التضحيات التي بذلناها من أجل ذلك الانتصار المكلف لنا، فالجبهات الساخنة والباردة للولايات المتحدة قد أهدرت الكثير من مواردنا المالية والبشرية. بل إن معركة أسعار النفط التي قادتها المملكة منذ أواخر عام 2014 هي الأخرى كانت ضمن المواجهات الاقتصادية بين الولاياتالمتحدة مع البلدان غير الصديقة لها مثل إيران وروسيا وفنزويلا. وقد سرنا فيها كما هو دائماً في المقدمة. والولاياتالمتحدة التي صادق مجلسا الشيوخ والنواب فيها ضدنا تعرف قبل غيرها مدى حساسية النفط بالنسبة لنا، فهي والعالم كله يدرك أن خفض أسعار النفط أمر يضر أول ما يضر باقتصادنا. ورغم ذلك فقد ساندنا الولاياتالمتحدة ودعمناها في معركتها الجيو سياسية. ولذلك دعونا نضحك اليوم مثلما ضحك الملك فيصل في سبعينيات القرن المنصرم. فأميركا هي الخاسر الأكبر من نكرانها لجميل ما قدمناه لها.