تعتبر زيارة خادم الحرمين الشريفين للولايات المتحدة تأسيسا جديدا للعلاقة التاريخية بين البلدين التي أرسى روابطها الملك المؤسس عبدالعزيز والرئيس الأمريكي روزفلت على ظهر المدمرة الأمريكية «كوينسي» في البحيرات المرة بمصر العام 1945 والتي سبقها طلب استقدام مهندسين زراعيين للتنقيب عن المياه، ومنح شركات نفط أمريكية امتياز التنقيب عن النفط. أي أن بداية الأمر كان مصالح مشتركة وليس صداقة دائمة، فإن ألمح بعض الأمريكان قبل الزيارة أن العلاقة بين البلدين ليست زواجا كاثلوكيا فيمكننا التصريح بعد الزيارة أن المصالح كذلك لا تفرض علاقات دائمة، فالمصالح يمكن بناؤها حتى مع أطراف متنازعة، والحديث هنا عما تشير إليه بعض الصحف الأمريكية وبعض المحللين السياسيين عن رغبة أمريكا في العزلة لعلق جراح اقتصادها المتعب، وليس عن التصريحات الرسمية المؤكدة لمتانة هذه العلاقة وقوة هذه المصالح. وقد كان خادم الحرمين الشريفين صريحا ومباشرا في محادثاته مع الرئيس الأمريكي حين أشار بتعمده أن تكون زيارته الرسمية الأولى للولايات المتحدة كخيار أول ولتأكيد التحالف الاستراتيجي، وكان واضحا حين قال إن المملكة ليست بحاجة لأحد سواء لحمايتها أو مساعدتها، تجلى ذلك في طلبات التسلح النوعي السابقة للزيارة وفي تنويع مصادر التسلح حتى لا نكون أسرى تطمينات وهمية غير ملتزمة، وفي الجانب الاقتصادي، وهو الأهم في ميزان القوى الجديد بين البلدين، وقد تزامن اللقاء مع انعقاد مؤتمر الاستثمار المشترك، أوضحت المملكة رغبتها في نقل هذه الاتفاقات البروتوكولية إلى التطبيق العملي بما تمليه مصالح البلدين، وهنا يتجاوز البلدان المصالح النفطية الضيقة إلى عالم المتاجرة الأرحب، بل ينقلها من مرحلة التنظير إلى مرحلة التفعيل. لم يتبق في جدول الأعمال سوى مشاكل المنطقة وفي الأساس منها العمق الاستراتيجي للمملكة ودورها كقوة إقليمية، وهنا يأتي الاتفاق النووي مع إيران الذي ترى فيه المملكة تحديا استراتيجيا إلا أنه يمكن التعاطي معه بمرحلة الخلافات وتجزئتها مع أمريكا حتى يتبين الجميع مدى الالتزام الإيراني باستقرار المنطقة وهو ما يهمنا في المقام الأول حسب تصريح الملك، وقد تفهم الجانب الأمريكي هذه النقطة المهمة وتبعاتها من قضايا إقليمية سواء على الجبهة السورية أو اليمنية وصولا للعراق، إلا أن هذا التفهم إذا لم يقرن باتفاقات ملزمة فسيكون كسابقه من توافقات ورقية، من هنا جاء حرص المملكة على ربط كل هذه القضايا باتفاقات معلنة وملزمة للجانبين، وهو ما ظهر في البيان الذي وزعه البيت الأبيض على وسائل الإعلام حال انتهاء الجلسة الرسمية بين الجانبين.