تشهد الحرب السودانية، وهي تدخل عامها الثالث، منعطفًا حاسمًا بعد سيطرة قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور، في تطور يُعد الأخطر منذ اندلاع النزاع بين الجيش والقوات شبه العسكرية في أبريل 2023. ويثير هذا التحول الميداني مخاوف من انزلاق البلاد نحو انقسام فعلي، في ظل تصاعد الانقسامات الجغرافية والسياسية وتراجع سلطة الدولة المركزية. وتشير المؤشرات إلى أن السودان يقف اليوم على مفترق طرق بين خيارين متناقضين: إما التوصل إلى تسوية شاملة تعيد توحيد مؤسساته، أو الانزلاق إلى صراع جغرافي مفتوح يعيد رسم حدوده الداخلية. ويرى مراقبون أن فقدان الحكومة سيطرتها على دارفور قد يشكل نقطة تحول في مسار الحرب، مع احتمال أن تتحول المنطقة إلى مركز نفوذ مستقل يغيّر موازين القوى في البلاد. وحدة الدولة ويرى مراقبون أن التطورات الأخيرة تعكس ملامح تقسيم فعلي للبلاد، مع نشوء إدارات موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع، واستمرار الجيش في إدارة مؤسسات الدولة من بورتسودان. ويؤكد خبراء أن السيطرة على دارفور قد تمنح الدعم السريع أوراق ضغط تفاوضية قوية، لكنها في الوقت ذاته تضع السودان أمام خطر تكرار تجربة الانقسام التي عاشها عام 2011 مع انفصال الجنوب. وتزايدت المخاوف من أن يتحول السودان إلى مجموعة من الكيانات المتنازعة، خصوصاً مع تصاعد الانقسام القبلي والجهوي، وضعف المركز في فرض سلطته على الأطراف. ويخشى دبلوماسيون من أن يؤدي غياب التوافق السياسي إلى انهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، وسط تحذيرات من تفكك البلاد إلى مناطق نفوذ متصارعة. موازين جديدة ومنح استكمال السيطرة على دارفور قوات الدعم السريع موقعاً ميدانياً متقدماً، ما أعاد تشكيل الخريطة العسكرية للسودان. وأصبحت المنطقة الغربية مركزاً فعلياً للنفوذ الجديد، في مقابل تمركز الجيش في ولايات الشمال والشرق. وتُعد مدينة الفاشر، التي سقطت مؤخراً، نقطة تحول في مسار الحرب كونها آخر معاقل الجيش في الإقليم. وتشير التقديرات الأممية إلى أن القتال المتواصل أدى إلى مقتل أكثر من 40 ألف شخص، ونزوح ما يزيد على 14 مليوناً، في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية المعاصرة. كما أدى انهيار الخدمات الأساسية إلى تفشي الجوع والأوبئة في مناطق واسعة من البلاد. تدخلات إقليمية ويشهد المشهد السوداني في الوقت الراهن تنافساً إقليمياً متزايداً بين قوى تسعى لتوسيع نفوذها عبر دعم أطراف الصراع. وتشير تقارير دبلوماسية إلى أن دعم أطراف إقليمية لقوات الدعم السريع بالتمويل والسلاح ساهم في تغيير ميزان القوة ميدانياً، في حين يحظى الجيش بدعم سياسي من بعض العواصم العربية والإفريقية. ويرى محللون أن دارفور باتت اليوم نقطة ارتكاز لتوازنات جديدة في المنطقة، وأن السيطرة عليها تمنح الفاعلين الإقليميين فرصة لإعادة رسم خرائط النفوذ في القرن الإفريقي ومنطقة الساحل. ويعتبر مراقبون أن تعدد القوى المتدخلة يزيد من صعوبة الوصول إلى تسوية وطنية خالصة، ما يهدد بإطالة أمد الصراع. أزمة إنسانية وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في دارفور ومناطق النزاع الأخرى مع تراجع المساعدات الدولية وصعوبة الوصول إلى المدنيين. وتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن نحو 25 مليون شخص في السودان بحاجة ماسة إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى، فيما تحذر من أن المجاعة قد تتوسع في حال استمرار إغلاق الطرق أمام الإغاثة. وقالت منظمات إنسانية إن استمرار القتال في الفاشر زاد من تعقيد عمليات الإجلاء والإمداد، وأدى إلى تدهور الوضع في المخيمات التي تستقبل مئات الآلاف من النازحين. مواقف دولية وأعربت السعودية عن قلقها العميق من تصاعد الانتهاكات في دارفور، ودعت في بيان رسمي إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار. كما شددت على ضرورة حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مؤكدة أهمية وحدة السودان واستقراره ورفض التدخلات الخارجية التي تطيل أمد النزاع. في المقابل، تتواصل الجهود الإفريقية والأممية لإحياء مسار التسوية السياسية، غير أن غياب الثقة بين الأطراف وتباين المواقف الإقليمية يعقدان فرص التوصل إلى اتفاق شامل.