من أجمل ما تميّز به العرب قبل الإسلام وبعده، تقديرهم للرجال، ومعرفتهم لمنازل الناس، وحسن استقبال الضيوف دون تفريق أو محاباة، فكانوا يقولون: "الكرم أن تُكرم الجميع، لا أن تختار لمن تبتسم ولمن تُقدّم القهوة". لكن للأسف، نرى اليوم من ينزل الضيوف منازلهم على قدر المال أو الشهرة أو المنصب، لا على قدر المروءة والعِلم والفضل، فيُستقبل المشهور استقبال الملوك، ويُعامل صاحب الخُلق أو العلم ببرودٍ أو تجاهل، وكأنّ المعيار صار حساب المتابعين لا حسن السيرة. وهذا السلوك دخيل على قيمنا الإسلامية والعربية، إذ إن التمييز بين الناس لأجل الدنيا خُلق مذموم، ينافي ما أمر الله به من العدل والتواضع. قال الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ"، (سورة الحجرات: 11)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه)، رواه أحمد. وهذا يدل على أن الاعتبار الحقيقي هو بالخلق والعلم والفضل، لا بالمال ولا الشهرة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكرم ضيوفه جميعًا، ويجعل لكلٍّ مكانته دون تكلّف أو استعراض، أما من ينحاز في مجالسه ومناسباته إلى من يملك المال أو المنصب، فهو يخالف جوهر المروءة، ويضعف من قيمة مجلسه وهيبته، لأن المروءة كما قال الإمام علي رضي الله عنه: "المروءة ألا ترى لنفسك فضلًا على غيرك". وللشعراء وقفات خالدة في هذا المعنى، يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى: ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ ويقول المتنبي: وما الحسنُ في وجه الفتى شرفٌ لهُ إذا لم يكن في فعلهِ والخلائقِ فالمروءة لا تُشترى بالمال، ولا تُقاس بالمناصب، بل تُقاس بصدق الموقف وعدل التعامل واحترام الحضور، إن إنزال الناس منازلهم لا يعني التمييز، بل يعني إعطاء كل ذي قدرٍ قدره دون ظلمٍ أو إهمالٍ للآخرين، فمن رفع صاحب المال فقط، فقد وضع نفسه في منزلةٍ دونية، لأن الكرام لا يزنون الناس بجيوبهم، بل بقلوبهم وأخلاقهم، ولعلّ من أجمل ما قيل في هذا المعنى قول الشاعر: فرق الرجال أفعال ماهيب الأشكال وماضاع في عرف الرجال الدليله فالعاقل يكرم الجميع، ويحفظ للناس كرامتهم، لأن الكرم الحقيقي هو العدل في المعاملة، لا التفاخر في الضيافة. عبدالعزيز بن سليمان الحسين