نعم إنها “مكةالمكرمة” ومن لا يعرف هذه البلدة الطاهرة الطيبة، ومن لا يعرف أم القرى، بل من الذي لا يعرف لهذه البلدة التي اختارها الله لتكون مثابة للناس وأمنًا مكانتها وقداستها وطهرها وعطرها، كم أحن إليها وكم اشتاق للعودة إليها ولو لم أكن أسكن في طيبة الطيبة مهاجر رسول الله عليه الصلاة والسلام لما توانيت لحظة واحدة في الرجوع إلى مسقط رأسي ومرتع صباي وشبابي، فالحب الذي تربع على عرش قلبي لأم القرى لا يضاهيه سوى حبي لطيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ولذلك فيحق لي ولأمثالي ممن يجمع بين الحبين الكبيرين أن يفتخر ويقول بأعلى صوته: أنا ابن الحرمين ولا فخر!! ولئن كنت وأمثالي سنبقى نتغنى بهاتين البلدتين العظيمتين وإلى آخر لحظة في هذه الدنيا فإن العجب من أناس غرتهم الحياة الدنيا وغاصوا في مادياتها إلى شوشة رؤوسهم ونسوا أو تناسوا، وجهلوا أو تجاهلوا عمدا ما لهاتين المدينتين من مكانة عند الخلق بل عند الخالق سبحانه، وإذا عذر الجاهل لجهله فإن من لديه فرصة للتعرف على حقيقة قداسة مكةالمكرمة والمدينة المنورة ويتعمد التغاضي عن هذه المعرفة فإنه وبدون أي اجتهاد أوقع نفسه في حضيض الجهل مهما كان لديه من مؤهلات أو شهادات أو زعم العلم والمعرفة والثقافة!! والأعجب من ذلك كله أن من يظن أن مكةالمكرمة والمدينة المنورة كأي بلد آخر من بلاد الله الواسعة وأنهما مجرد كتل بشرية تتحرك وراء لقمة العيش وحدها، أو أنها مجرد تضاريس جغرافية، وأن سكان هاتين البلدتين ليس لهما مكانة أو خصوصية عند الله وعند المؤمنين فهو ليس مجرد شخص مخطئ بل هو في قاع الخطيئة وفي الدرك الأسفل من سقامة الفكر وعفونة النفس، وليته يجتهد قليلا ويطلع على بعض ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن أم القرى وعن أهمية تعظيم البيت الحرام وحرمة من آذى سكان البلد الحرام، وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بمكةالمكرمة لمكانتها وقدسيتها في قرآنه الكريم (لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) (البلد:1) وقد أكرم الله هذه البلدة الطيبة المباركة بأن تكون مهوى أفئدة المؤمنين عبر العصور استجابة لدعوة خليله ونبيه الكريم إبراهيم عليه الصلاة والسلام (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).