86 ألف مكالمة في يوم واحد إلى مركز 911    القيادة تُعزّي رئيس جمهورية العراق في ضحايا الحريق الذي وقع في مدينة الكوت    ولي العهد للرئيس السوري: واثقون من قدرة الحكومة السورية بقيادتكم على تحقيق الأمن والاستقرار    39 % معدل النمو .."ندلب": 986 مليار ريال ناتج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية    أسعار الذهب تتراجع على وقع قوة الدولار    41% نسبة السعوديات في القطاع الخاص    2700 رخصة بناء بأمانة حائل في شهرين    10 % رسوم حديد التسليح    أرامكو: نتائج الربع الثاني 5 أغسطس    الداخلية السورية: توقف الاشتباكات في السويداء وإخلاؤها من المقاتلين البدو    روسيا تهاجم ميناء أوديسا الأوكراني    وسط تقييمات متباينة بين الطرفين.. تصعيد متبادل بين واشنطن وطهران بشأن «النووي»    إشادة إقليمية بدور قطر في الوساطة.. السعودية ترحب بإعلان المبادئ «شرق الكونغو»    فريق"Team Vitality"الفرنسي للسيدات يحرز لقب "MLBB" في كأس العالم للرياضات    السعودية مرشحة لاستضافتها العام المقبل.. العالم يترقب مواجهة ميسي ويامال في كأس فيناليسيما    ممثل الوطن يستحق المقعد الآسيوي    الهلال يفاوض آيزاك هداف نيوكاسل    الإطاحة بمقيمين لترويجهما مادة الكوكايين المخدر    من البلاغ إلى القبض.. الأمن العام يختصر الزمن ويحسم القضايا    إحباط 1541 محاولة تهريب خلال أسبوع في مختلف المنافذ    الداخلية: ضبط 23 ألف مخالف في الحملات الميدانية    أزياء مستلهمة من ثقافة المملكة    حياكة السدو    5 أفلام صيفية تتنافس في الصالات العربية    أكدت أهميتها في بناء المعرفة.. "الدارة" تناقش دور الوثائق التاريخية في صياغة الذاكرة الوطنية    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    أشياء يومية تعج بالبكتيريا الخفية    فوائد غير متوقعة للنحاس عند كبار السن    دراسة: البيض لا يرفع مستويات الكوليسترول الضار    وفاة «مؤثر» اتبع حمية اللحوم لمدة 3 سنوات    السعودية تستضيف كأس السوبر الإيطالي للكرة الطائرة    انخفاض الخامين القياسيين 2 % مع ارتفاع المخزونات وتوقعات بتراجع الطلب    المملكة تحصد سبع جوائز دولية في أولمبياد الرياضيات والمعلوماتية    العلا قديماً.. تناغم الإنسان والطبيعة    "الأمن والحياة" توثّق عاماً من الإنجاز    أمير جازان يستقبل رئيس مكافحة الفساد    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤونة" للتوعية بتيسير الزواج    خطيب المسجد الحرام: ذِكر الله يُحيي القلوب ويُؤنس الوحشة    فرنسا تحض جميع الأطراف في سوريا على احترام كامل لوقف إطلاق النار    68 شهيداً في قصف إسرائيلي على غزة بينهم 32 من طالبي المساعدات    التعاون يدشن معسكر هولندا    رامون بلانيس: نعمل بجد من أجل إسعاد جماهير الاتحاد    مدرب نيوكاسل عن هدف الهلال: إيزاك مستمر.. هو لاعب لا يعوض    القبض على باكستانيين في المدينة المنورة لترويجهما (الشبو) المخدر    «من الميدان»... القطاعات الأمنية توثّق جهودها اليومية بعدسة الكاميرا    أكثر من 11 ألف طن من مياه زمزم لسقيا ضيوف الرحمن في المسجد النبوي    المملكة تقدم مساعدات لنازحي السويداء    ضبط 23 ألف مخالف للأنظمة    1541 حالة ضبط بالمنافذ خلال أسبوع    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    676 مستفيدا من الاستشاري الزائر بصامطة    الديوان الملكي: وفاة الأمير الوليد بن خالد بن طلال بن عبدالعزيز    وفاة الوليد بن خالد بن طلال بعد معاناة مع المرض    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    حسام حبيب: السعودية أصبحت مركزا فنيا عالميا    رغم إعلان وقف إطلاق النار.. خروقات في السويداء وعدد القتلى يرتفع إلى 940    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعشوش
قصة قصيرة
نشر في الجزيرة يوم 02 - 12 - 2017

عندما يحضر دعشوش العرضة تجمح خيول الراقصين، ولا يغدو المساء هو المساء الذي نعرف، المساء الذي اعتدناه متكئاً على سواعد الجبال البعيدة منذ الأزل.. وتعود أرواح الأسلاف تستعير منا أجساد الطين، ونتوحد كلنا في طقس مجنون.
ولا يكتمل الرقص حتى يصل دعشوش..
دعشوش يأتي متوجاً ب«عصابة» من الشيح والبعيثران.. يأتي ولا يدخل حلبة الرقص حين وصوله، يقف قريباً من قارع الزير الأكبر.. يقبض بكلتا يديه على عصاه الطويلة.. ويدقق في وجوه الراقصين بعينين من لهب.
يقف كأنه يتشرب حمى الرقص.. كأنه يعب الجنون المتفلت.. لا يقبل أن يدعوه أحد.. أن يدفعه أحد.. الكل يعرف ذلك.. وما عادوا يفعلون.
وعندما يثمل دعشوش من روائح الأجساد المحمومة من الغبار الناهد للسماء ترتجف يداه؛ فلا تعودان قادرتَين على مسك عصاه الطويلة.. ولا تجد قدماه في التراب الأمان، حينها يستعير قميصاً من الريح وينطلق وحده.. ويهتف كل الحضور بصوت واحد.. بصوت من ينتظر هذه اللحظة:
دعشوووووووووووووووش.
يدور دعشوش ساحة العرض.. يدور مرة.. مرتين أو ثلاثاً قبل أن يدخل صف العرضة.. ينظم إيقاع الراقصين.. يرتل وقع أقدامهم الحافية.. يبعد الصغار ومن يكسرون رتابة الخطى.. ثم يتقدم الكل.. غرباً باتجاه قارعي الطبول.
ويغدو لصف العرضة صلابة الوتر المشدود.. ويغدو لهزيم الرجال صوت تكسر الأشواق.
وتغدو الخطى أبطأ كلما اقتربوا من قارعي الطبول والأقدام تضرب صدر الأرض بوجع أكبر.. تعلو أكثر.. ويتمتم الرجال بفحيح مكتوم.. فحيح القادمين من سفر ولم يصلوا بعد.
وعندما يصلون يتحلقون حولهم كخاتم، ويغدون كتلة واحدة قبل أن تنكسر وينتثر الرجال مرة أخرى نحو الشرق.. نحو بناء جدار آخر من الصدور والأقدام الحافية.. والناس كل الناس تهتف:
دعشووووووووووووووش.
ومن جديد يتشكل صف الرجال المسلحين بالجنابي وعصي الخيزران ودعشوش يستثير حماس الرجال بانتظار عاصفة «غطاريف» تشتعل من غيب ما.. غيب قد يأتي ولا يأتي.
عند الغروب تُستنفد همم الرجال.. يعودون إلى منازلهم بانتظار الليل.. بانتظار رقصات السيف والعزاوي.. والليل الليل.. ودعشوش أيضًا يعود.
وفي الليل طقوس أخرى للرقص، لليل شياطين غير شياطين النهار، شياطين الليل معجونة من لهب الأرواح الضائعة، الأرواح التي استعجلها الرحيل وأخلف.. وبقيت حائرة هنا.. شياطين الليل لا تختبئ تخالط تغدو جزءاً منا، ويكون الليل هو الليل.
وفي الليل أيضًا يلعلع الرصاص وال»غطاريف» التي ما عادت تختبئ.. ويحضر دعشوش قبضًا من ضوء أسود.. ضوء يلغي وحشة المساء.
وفي الليل تضيق دائرة الرقص فقط «السيف» و»العزاوي».. رقصة السيف نزال بين روحين، والليل كل الليل مسرح لأقدام تثقب صدر الأرض..
لكن «العزاوي» ليس رقصاً ولا حواراً بين ندين.. هو أكثر من يحرر الجسد من عذابات مؤجلة.. العزاوي قربان الروح لهذا الليل.
دعشوش لا يجد نفسه كثيرًا في رقصة السيف.. يشعر أن هناك من يقف له نداً ويناور مثله.. ودعشوش يرى أنه وحده الموكل بتقديم هذا القربان.
ويصرخ الراقصون مرة أخرى : دعشوووووووووووووووش.
وتخلو الساحة إلا من قارعي الطبول، وينسرب من بين الجميع دعشوش، ويشتعل ليل من غوايات كانت ولم تعد.
تصمت الطبول عدا الطبل الكبير.. ويبدأ دعشوش العزاوي.. يبدأ بطيئاً.. كأنه متعب.. كأنه جاء يوقع ويمضي.
وشيئاً فشيئاً يدخل طقس الجسد.. يقترب منه قارع الزير.. يدور حوله.. يدوزن ضربات الجلد المشدود ودعشوش يتفلت.. يتبدل.. تتغير ملامحه.. يغدو كائناً من ضوء وصخب.. ويخيم على الحضور صمت الترقب وصوت الليل المثقوب بصدى الزير الموجوع.
دعشوش يبتعد.. يقترب.. يسرع يبطئ.. ثم يقفز ويقفز ويقفز، يطعن الفراغ بخنجره الجارح. ويبطئ ضارب الزير كأنه يلجمه.. كأنه يعيده لروحه التي تكاد تخرج.. لا أحد يعيد دعشوش غير ضارب الزير يعرف كيف يفعل.
يرقص دعشوش طويلاً، تُستنفد روحه.. يخرج الزبد من فمه.. يتطوع الحضور لتهدئته.. لسحبه بعيداً عن ساحة النزال.. وبالكاد ينتزعون الخنجر من قبضته ويصمت الحضور.. ويعرفون أن حمى الرقص انطفأت.. ولن تشتعل حتى ولو صرخ الكل:
- دعشووووووش.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.