يتهادى الشاب شامي أحمد إدريس الفاهمي ببطء إلى مسجد القرية في زاوية الحي، فيهرع إليه أحد المارة لإكمال الطريق؛ إنه كفيف لا يستطيع متابعة الطريق من دون معين. ما يزال الوقت مبكراً على إقامة صلاة العشاء، وما أن يحين الوقت فترفع الإقامة، حتى يتقدم ذلك الشاب الكفيف بثقة إلى محراب المسجد، فينادي بتنظيم الصفوف، ثم يطلق تكبيرة الإحرام في الفضاء ويغرق في تلاوة مجودة وهادئة تطرب السامعين. يحفظ الشاب شامي الفاهمي ذو ال18 ربيعاً القرآن الكريم كاملاً، وهو يؤم المصلين منذ نعومة أظفاره في قرية الوداعة جنوبي حلي بمحافظة القنفذة. أتم حفظ القرآن صغيراً وذلك في عام 1432ه، عقب التحاقه بحلقات التحفيظ منذ عام 1425ه، متحدياً بذلك إعاقة البصر التي مني بها منذ ولادته، ويعيش جماعة المسجد خلال شهر رمضان المبارك فيضاً إيمانياً زاخراً خلف هذا الإمام الشاب. نال الطالب الكفيف شامي أحمد الفاهمي الترتيب الثالث على مستوى المملكة في المسابقة الوزارية لحفظ القرآن الكريم كاملاً لعام 1434ه، وحصل على جائزة النبوغ والتفوق العلمي في مدينة أبها العام الماضي، وحصل على المركز الثاني في مسابقة الأمير سلمان لحفظ القرآن الكريم على مستوى المملكة، وتقلد وسام نادي شباب الصفة الذهبي لتقدير الجهود، وحصل على عدد كبير من الجوائز التقديرية والتشجيعية. عندما تجالس هذا الشاب تشعر بإحساس غريب، إذ يرتقي لديك الإحساس بقيمة الإنسان وقدرته الفذة على مغالبة التحديات والمعوقات لتحقيق أحلامه الكبرى، إلى جانب حسه الأخلاقي البالغ ولطفه الاجتماعي الذي يحتويك عند أول مصادفة تجمعكما، وهذا ما يُجمع عليه زملاء حلقته ممن يلتف حوله لمحادثته والاستئناس بكلامه ومغامراته. شامي الفاهمي يعشق زيارة مدينة أبها لبرودة الأجواء ولطافة الهواء، وكثيراً ما يلبي والده تلك الرغبة لتحفيزه على تحقيق المزيد من الإنجازات والنجاحات، وكثيراً ما أبدى والده افتخاره واعتزازه بابنه. ويحب حضور مباريات كرة الحواري التي تزخر بها ملاعب وادي حلي على امتداد العام، ورغم بصره الكفيف فإنه ينهمك في الاستماع إلى شرح المعلق ووصفه للإحاطة بتفاصيل المباراة وأحداثها. عندما سئل عن أمنيته الكبيرة قال بصوت واثق يملؤه الإيمان بالله والاطمئنان إلى قدره: «أتمنى أن أكون من علماء الأمة الإسلامية، لأساعد الناس على الهداية ومعرفة طريق الحق»، ثم غاب في صمته وتأمله العميق.