أولت حكومة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها اهتمامها البالغ بالحرمين الشريفين توسعة وعمارة وصيانة، وتظهر العناية بالمسجد النبوي من خلال التوسعات المتلاحقة له، ولم يمر ملك من ملوكها إلا وله يد في توسعته وعمارته. إذ اعتنى الملك عبدالعزيز بالمسجد النبوي عناية عظيمة، وظهرت آثارها حين زار المدينةالمنورة في شعبان عام 1345ه، واطلع خلالها على ما يحتاجه المسجد النبوي من تنظيمات إدارية وإصلاحات معمارية، واستمع إلى اقتراحات بعض المسؤولين فيها وما يحتاج إليه المسجد في مسائل أساسية. وجاء أول أعمال الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - عام 1348ه ليعالج آثار التلف الذي ظهر في هبوط أرض الأروقة المطلة على صحن المسجد من جهاته الأربع، وسبب ذلك يعود إلى عدم تصريف مياه الأمطار التي تتجمع في صحن المسجد (1)، ثم جاء العمل الثاني في عام 1350ه، إذ أمر بإصلاح ما حصل من خلل في بعض الأعمدة والسواري الشرقية والغربية والصحن، وذلك بوضع أطواق من الحديد على ما تلف منها. وفي 12 شعبان 1368ه أعلن الملك عبدالعزيز في خطاب إلى الأمة الإسلامية عزمه على توسعة المسجد النبوي (2)، واستقبل الخبر بالرضا والاستحسان في الداخل والخارج، فأجريت الدراسات اللازمة لتنفيذ المشروع، وبدأت الأعمال التمهيدية في الخامس من شهر شوال عام 1370ه، وتم شراء الأبنية والدور الواقعة في الجهات الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وأزيل من البناء القديم الجزء الشمالي من بناء السلطان عبدالمجيد ومساحته 6246 متراً مربعاً، وأضيفت إليه مساحة جديدة تقاربها، وبقي القسم الجنوبي الحالي ومساحته 4056 متراً مربعاً، وبذلك أصبحت مساحة المسجد النبوي بعد هذه التوسعة 16548 متراً تقريباً (3). وفي اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الأول عام 1372ه وضع ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز حجر الأساس للعمارة والتوسعة نيابة عن والده الملك عبدالعزيز، فبدئ في حفر الأساسات ثم البناء والتشييد، واكتملت التوسعة والبناء، وأقيمت حفلة بذلك برعاية الملك سعود بن عبدالعزيز - يرحمه الله - يوم الخامس من ربيع الأول من عام 1375ه، فقام بنفسه بافتتاح مبنى التوسعة وحضرته وفود إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ومن داخل المملكة وخارجها. ومع التوسعات السابقة إلا أن الحاجة إلى توسعته باتت أمراً ضرورياً، نتيجة ازدياد أعداد الحجاج والعمار والزوار، لما وفّر لهم من الأمن والاستقرار وأسباب الراحة في الحل والترحال، فأصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1393ه أمره بتوسعة المسجد النبوي، فبدئ بشراء العقارات والدور والمساكن في غرب المسجد، ثم هدمت بعد نزع ملكيتها وتعويض أصحابها، وأقيمت عليها مظلات مقببة بمساحة تقدر ب(40.500م2)، وجهزت بما يلزمها وهيئت للصلاة، فتوسّع المسجد واستفاد منه جموع المصلين في المواسم والجمع والأعياد. وفي عهد الملك خالد - يرحمه الله - وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد، فأزيلت الأبنية الواقعة فيها وعوض أصحاب العقارات، وضمت إلى ساحات المسجد النبوي، وظللت منها مساحة قدرها (43.000 م2) على غرار ما تم في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود. على أن تزايد أعداد الحجاج والمعتمرين والزائرين في كل عام طرح الحاجة إلى توسعة المسجد، فواصل الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - المسيرة بالعناية والاهتمام بتوسعة المسجد النبوي وعمارته لكي يستوعب أكبر عدد من المصلين والزائرين، وتوفير كل ما يريح الزائرين أثناء وجودهم في المسجد. فشملت أولاً نزع ملكيات العمارات والمباني المحيطة بالمسجد النبوي التي لم تشملها التوسعات السابقة، ثم مرحلة البناء والتشييد والعمارة، إذ بدأ ما عرف ب «التوسعة السعودية الثانية» التي وضع حجر أساسها بنفسه يوم الجمعة التاسع من شهر صفر عام 1405ه. وفي شهر محرم لعام 1406ه بدأ العمل الفعلي. وهي عبارة عن مبنى ضخم يحيط العمارة السعودية الأولى من جهات ثلاث، وصممت بحيث تتناسب وتتناسق مع نظيرتها في العمارة السعودية الأولى، وتتكون من بدروم ودور أرضي وسطح. وبلغت مساحة التوسعة للدور الأرضي فقط (82.000م2)، وكانت مساحة المسجد النبوي بمجموع توسعاته السابقة (16.500م2)، بمعنى أن هذه التوسعة أضافت ما يقدر بخمس مرات للتوسعات السابقة، فيكون المجموع (98.500م2)، كما بلغت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي (235.000م2). - المصدر: الرئاسة العامة للمسجد الحرام والمسجد النبوي