من المفيد للمسؤولين اللبنانيين، خصوصاً الذين هم في السلطة أن يكرروا أن لا مصلحة للبنان في دخول مفاوضات سواء مباشرة أو غير مباشرة مع إسرائيل، وأن يشددوا على أن لا مصلحة للبلد في الإقدام على خطوة من هذا النوع لأسباب تتعلق باستقراره الداخلي. فدعوة لبنان الى التفاوض مع إسرائيل، لا تعني في هذه الظروف سوى وضع التزاماته بمعالجة مسألة سلاح"حزب الله"على الطاولة، في إطار تقدم تحرزه مفاوضات السلام الإسرائيلية - السورية. وليس صدفة أن يلتقي في دعوة لبنان هذه الى التفاوض مع إسرائيل، تحت حجج مختلفة، الرئيس السوري بشار الأسد، والجانب الإسرائيلي، وبعض المسؤولين الأميركيين. وسبق أن طرح الفكرة من باب التشجيع على الخطوة، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته بيروت آخر الصيف الماضي، على الرئيس ميشال سليمان. وكان الموقف اللبناني في الحالتين أن اللبنانيين ليسوا مستعدين للقيام بخطوة تؤجج الخلافات المستعرة أصلاً بينهم، ولأنهم ليسوا في وضعية مَن يجب أن يدفع ثمن السلام مع إسرائيل حين يتعلق الأمر بالدولة العبرية وسورية... كما سبق أن طرح الفكرة بعض المجموعات الأميركية المعنية بالتهيئة لسياسة الرئيس الجديد باراك أوباما الشرق الأوسطية. وهي مجموعات تضم من يهتمون فقط بالتطبيع العربي مع إسرائيل لحرصها على أمن الدولة العبرية قبل أي شيء. والمواقف اللبنانية الوحيدة التي كانت إيجابية تجاه فكرة مشاركة لبنان في التفاوض مع إسرائيل هي من جهتين، الأولى الرئيس السابق أمين الجميل، الذي اقترح أن يكون تفاوضاً غير مباشر، عبر الأممالمتحدة وأن يكون محصوراً باستعادة مزارع شبعا، والثانية زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون الذي لم يمانع في المشاركة في مفاوضات مباشرة إذا كانت سورية على الطاولة. وإذا كان اقتراح الجميل ليس بعيداً من القرار الدولي الرقم 1701 الذي يكلف الأممالمتحدة جهوداً لمعالجة قضية مزارع شبعا، فإن إيجابية عون تجاه التفاوض اللاحق مع إسرائيل، هي الموقف اللبناني الوحيد الذي صدر، مقابل توافق"حزب الله"مع خصومه في قوى 14 آذار على رفض هذا التفاوض. وفي انتظار معرفة ما إذا كانت إيجابية عون تجاه الفكرة نابعة من الانفتاح السوري المستجد عليه، فإن هذا يذكّر بمعادلة سقطت مع انحسار الإدارة السورية المباشرة للوضع اللبناني وهي:"وحدة المسارين اللبناني والسوري في مفاوضات السلام"في عهد الرئيس الراحل إلياس الهراوي، أو"وحدة المسار والمصير"في عهد الرئيس إميل لحود... وقد استبدلت هذه المعادلة بشعار"لبنان آخر من يوقّع"الذي كان يؤمن به الرئيس الراحل رفيق الحريري. في كل الأحوال، فإن خلفية الرفض اللبناني للتفاوض المباشر وأحياناً غير المباشر مع إسرائيل، في هذه المرحلة، تعود الى القناعة بأن دعوة لبنان الى هذه الوليمة هي لأغراض تتعلق بالفرقاء الآخرين ولا تتعلق بحاجات لبنان الى الاستقرار. فالقادة اللبنانيون يدركون أن الانفتاح السوري على التفاوض مع إسرائيل بدأ أصلاً من ضمن خط بياني قررت دمشق اعتماده، في سياق امتلاكها أوراقاً إقليمية عدة في العراق وفلسطين والتحالف مع إيران، بهدف وقف الضغوط الدولية والغربية ضدها، ولفك الحصار الأميركي عليها، وصولاً الى إيجاد تسوية بينها وبين المجتمع الدولي حول المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، كثمن لشجاعتها في التفاوض على السلام مع إسرائيل. واللبنانيون يدركون أن ما مِن طرف بينهم، مستعد، أو قادر، على الدخول في أي تسوية حول المحكمة بعدما باتت المسألة دولية، بالتالي فإن وجود لبنان على طاولة التفاوض في هذا السياق غير ذي جدوى. أما إذا كانت دعوة لبنان الى وليمة المسارين هي لإشراكه في تحمل مسؤولية معالجة سلاح"حزب الله"، فإن اللبنانيين يدركون أن قرار مصير السلاح هذا، يتوقف على الجانب السوري وعلى الجانب الإيراني، ويعتمد على توصل الدولتين الى تسوية مع الغرب وإسرائيل، وليس على تسوية واحدة منهما مع أميركا وحلفائها ومع الدولة العبرية. إن المعادلة الجديدة القاضية بوحدة المسارين السوري والإيراني تجعل لبنان لا يأتي الى الوليمة إلا بعد أن يتذوق أطرافها الطعام ليكتفي بالفاكهة فقط. فالمائدة كثيرة الدسَم على بلد صغير المعدة مثله. نشر في العدد: 16702 ت.م: 26-12-2008 ص: 15 ط: الرياض