هل سيكتفي الإيرانيون ب"الجزرة"التي عرضها عليهم وزير دفاع اميركا القديم الجديد روبرت غيتس من البحرين، عندما قال ان حكومته في ظل باراك اوباما لا تنوي تغيير النظام في طهران، بل تريد منه فقط ان يغير سياساته ويحسّن سلوكه؟ وماذا تنفع هذه الجزرة عندما تكون"العصا"التي رفعها المسؤول العسكري الاول في واشنطن في وجه الايرانيين هي"العصا"الاقليمية، حيث طالب دول المنطقة بلعب دور اكثر فعالية في اطار الالتزام الكامل بالعقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على جارتهم على الضفة الشرقية من الخليج. وهل ينتاب الايرانيين قلق في الاساس من احتمال تغيير نظامهم كي تتجاوب طهران الآن مع هذا التطمين الذي حمله غيتس اليهم؟ خصوصاً ان السياسة التي يريد غيتس من ايران أن تغيرها في سلوكها في المنطقة هي السياسة التي باتت مرادفة لبقاء النظام الايراني ولبرنامج عمله اليومي. الأمر الذي يدفع الى التساؤل الجدي: ماذا يبقى لهذا النظام ان يفعل، اذا قام بتغيير هذه السياسة؟ وهل يبقى فارق في هذه الحال بين بقاء النظام او رحيله؟ يريد غيتس من ايران ان توقف برنامجها النووي الذي يعتبر انه"يتجه بالتأكيد نحو انتاج اسلحة نووية"، ويريد منها ان توقف دعمها لكل من"حزب الله"و"حماس"اللذين يسعيان في نظره الى تهديد حكومتين شرعيتين في لبنان وفلسطين بوسائل العنف، ويريد من طهران ايضاً ان توقف دعمها للجماعات المسلحة التي تهدد الاستقرار في العراق وفرص نجاح حكومة نوري المالكي. مع أن كل مراقب يستطيع الوصول الى نتيجة بسيطة، وهي انه، سواء في مجال التكنولوجيا النووية أو النشاط الاقليمي الواسع، باتت صورة النظام الايراني، وبالتالي قدرته على الصمود، مرتبطتين بشكل مباشر بهذا الدور الذي يلعبه، على رغم الأكلاف الكبيرة التي يتكبدها اقتصاد ايران نتيجة ذلك. في مواجهة المطالب الاميركية ماذا يعرض غيتس على طهران باسم الرئيس اوباما؟ القبول ببقاء النظام، الذي يمكن القول إن القلق عليه هو آخر هموم قادة طهران، الذين يعرفون ان امساكهم بالوضع الداخلي مستتب مع ما يتوافر في ايديهم من ادوات قمع وتحريف للعمليات الانتخابية، فضلاً عن نشوء"مجتمع جديد"في ايران تفوق نسبته 70 في المئة من السكان لا يعرف عن بلاده الا نظام الجمهورية الاسلامية... اما الذين يعرفون شيئاً آخر فهم في السجون او في الخارج. اما دعوة غيتس لدول المنطقة الخليجية لتساهم مع بلاده ومع المجموعة الدولية في تشديد العقوبات الاقتصادية على ايران فقد جاء الرد عليه من وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة الذي دعا الى الحوار والتعاون مع ايران، كما اقترح ادخال ايران في اطار مجموعة اقليمية تضم كل دول المنطقة. وهو ما اكده ايضاً نائب رئيس وزراء العراق برهم صالح داعياً الى الحوار بدل المواجهة. طبعاً تجد دول المنطقة الخليجية نفسها مضطرة للالتزام بالقرارات الدولية المتعلقة بالعقوبات على ايران، وهي تفعل ذلك في اطار ما تفرضه الروابط المالية والتجارية القائمة بينها وبين ايران. لكن هذه الدول تدرك ان الدعوات الآتية من بعيد بهدف تصعيد المواجهة مع ايران تختلف عما يستطيع ان يتحمله الجيران الاقربون الذين سوف تقع اعباء اي مواجهة على كاهلهم، سواء بسبب انعكاساتها السياسية الداخلية على بلدانهم، أو اذا تدهورت الامور، بسبب التبعات العسكرية، حيث لا تستطيع المجموعة الخليجية ان تبعد بلدانها عن نيران اي مواجهة بين ايران من جهة والغرب واسرائيل؟ من جهة ثانية، على شواطئ الخليج. يبقى السؤال: هل كان روبرت غيتس يتحدث في المنامة باسم الادارة الذاهبة او الادارة الآتية؟ واذا كانت هذه"تباشير"العلاقة المقبلة بين اوباما وايران، فكيف ستكون الانعكاسات على ملفات المنطقة الاخرى، حيث لإيران دور لا يستهان به في كل واحد منها؟ نشر في العدد: 16691 ت.م: 15-12-2008 ص: 15 ط: الرياض