كشف تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية 2024 عن تحوّل نوعي تشهده منظومة المعارف والمهارات الثقافية، بوصفها أحد أهم محركات بناء الإنسان وتعزيز رأس المال البشري، في مسار يتقاطع فيه التعليم مع الثقافة بوصفهما ركيزتين متكاملتين للتنمية. وسجّل عام 2024 حضورًا لافتًا للتكامل الإستراتيجي بين قطاعي الثقافة والتعليم، عبر إدماج الفنون والأنشطة الثقافية في المناهج الدراسية، والتوسع في تدريب المعلمين على تدريس الفنون، لا سيما في المراحل المبكرة. وبرز هذا التوجه في النمو الملحوظ لبرامج الموسيقى السمعية في رياض الأطفال، إلى جانب تنويع الأنشطة اللاصفية، والتركيز على اكتشاف المواهب منذ سن مبكرة. وفي هذا السياق، شكّلت مسابقة المهارات الثقافية إحدى أبرز أدوات تنمية الموهبة، حيث شارك فيها نحو 470 ألف طالب وطالبة في دورتها الثانية، بعد توسيع نطاقها ليشمل الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية، مع تسجيل الفنون الأدائية والمسرح أعلى نسب المواهب المكتشفة مقارنة ببقية المجالات. وعلى مستوى التعليم العالي، رصد التقرير اتساعًا في البرامج والتخصصات الثقافية، من أبرزها افتتاح أول كلية متخصصة للفنون في جامعة الملك سعود، وإطلاق برامج أكاديمية جديدة في مجالات المسرح والموسيقى، والدراسات المتحفية، وعلوم المخطوطات، والملكية الفكرية، بالشراكة مع الجامعات والهيئات الثقافية، بما يعكس توجّهًا واضحًا لبناء مسارات تعليمية متخصصة ومستدامة. كما واصل برنامج الابتعاث الثقافي حضوره بوصفه أحد روافد تنمية الكفاءات، حيث بلغ عدد المبتعثين حتى نهاية عام 2024 نحو 568 مبتعثًا، مع تسجيل أعلى نسب الابتعاث في تخصصات فنون الطهي، وصناعة الأفلام، والعمارة. وأظهر التقرير تفوقًا عدديًا للإناث، اللواتي شكّلن نحو 60 % من إجمالي المبتعثين، مع تفاوت نسبي بين التخصصات. وفي مجال التدريب الثقافي، حافظت البرامج على استقرار أعداد المستفيدين، مع توسّع نسبي في التغطية الجغرافية شمل مختلف مناطق المملكة، رغم استمرار التفاوت في توزيع الفرص التدريبية بين المناطق. وأسهمت الجمعيات والمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص في تنفيذ أكثر من ألف برنامج تدريبي خلال العام، تركز معظمها في الفنون البصرية والموسيقى. وتناول الفصل كذلك التطورات التنظيمية للتدريب الثقافي، وفي مقدمتها التوسع في إصدار التراخيص للمنشآت والبرامج التدريبية عبر منصة "أبدع"، حيث تصدّر قطاع فنون الطهي الحصة الأكبر من التراخيص، تليه الموسيقى والفنون البصرية، في مؤشر على تنامي الطلب وتنظيم سوق التدريب الثقافي. ويخلص التقرير إلى أن عام 2024 مثّل مرحلة ترسيخ لمنظومة المعارف والمهارات الثقافية في المملكة، تقوم على التعليم المبكر، والتخصص الأكاديمي، واكتشاف المواهب، وتنظيم التدريب، مع التأكيد على أهمية تقليص الفجوات الجغرافية وتعزيز عدالة الوصول إلى الفرص الثقافية، بما يسهم في بناء مشهد ثقافي أكثر شمولًا واستدامة، ومتسقًا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. صورة جماعية للطلبة الفائزين في مسابقة المهارات الثقافية