حاول وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس طمأنة زملائه من وزراء الدفاع والمسؤولين عن أمن المنطقة الخليجية خلال المؤتمر الذي ينظمه"المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"في البحرين الى أن سياسة حكومته حيال ايران"لم تتغير"بعد صدور التقرير الأخير لأجهزة الاستخبارات الاميركية، والذي أثار عاصفة من الانتقادات والقلق بين هؤلاء الحلفاء، وعاصفة موازية من الترحيب بين حلفاء ايران والمدافعين عن مشاريعها في المنطقة. وعلى رغم التحذير الاميركي، على لسان غيتس، من ان ايران لا تزال تشكل خطراً على منطقة الخليج، وأنها قد تكون بدأت من جديد برنامجها النووي العسكري على رغم ما ورد في تقرير الاستخبارات من انها اوقفت هذا البرنامج قبل اربع سنوات، فإن ادارة الرئيس بوش سوف تجد صعوبة كبيرة في اقناع حلفائها في المنطقة بجدية وصدقية سياستها تجاه ايران. كما أن هؤلاء الحلفاء سوف يجدون بعد الآن أن من مصلحتهم البحث عن وسائل اخرى للتعامل مع طهران، غير وسيلة"العصا"الاميركية، تجنباً لانعكاسات هذه السياسة عليهم اذا قررت واشنطن المهادنة وترك حلفائها يقلعون شوكهم بأيديهم، كما تفعل عادة. من هنا تبدو مطالبة غيتس للخليجيين في البحرين بأن يمارسوا الضغوط على ايران لتكشف عن مشاريعها النووية السابقة ولتوقف برنامج تخصيب اليورانيوم الذي تستمر به الآن، وكأنها استدراج لهذه الدول الى ازمة مع ايران هم بغنى عنها، في الوقت الذي تزداد شكوكهم يوماً بعد يوم في جدية السياسة الاميركية ومدى استعدادها للذهاب في المواجهة مع ايران الى آخر الطريق. والحقيقة انه سوف يحتاج المرء الى قدر كبير من السذاجة و"العباطة"ليصدق نظرية الرئيس بوش واركان ادارته أن تقريراً تضعه 16 وكالة استخباراتية في اميركا ويفتح ابواب انقلاب سياسي في هذا الحجم، يمكن أن يصدر من غير موافقة الادارة أو رغماً عنها. فعلى رغم التحليلات التي صدرت في الصحف الاميركية وتحدثت عن أن هذا التقرير صدر في اطار حملة من الضغوط، البعض سماها انقلاباً، على الرئيس الاميركي وعلى نائبه ديك تشيني من اجل العدول عن خطة معدة لتوجيه ضربة عسكرية لايران في الربيع المقبل، الا ان الانعكاسات السياسية للاستنتاجات التي توصل اليها رجال الاستخبارات الاميركية هي أبعد وأخطر بكثير من ذلك. فهي لا تمنع الضربة العسكرية فقط، وهي ضربة لم تكن مرغوبة من أحد في الخليج على أي حال، بل ستحول دون امكان التوافق الدولي على سياسة عقوبات تستطيع لجم ايران عن استكمال مشروعها الذي لا يثق أحد بأنها توقفت اصلاً عن تحيّن الفرص المناسبة لمتابعته. فإذا كانت ايران مستعدة للسير في برنامج نووي عسكري العام 2003، أي في ظل الرئيس محمد خاتمي، فهل هناك من يمكن أن يقتنع بأن مثل هذا البرنامج يمكن أن يكون قد توقف في ظل احمدي نجاد، كما تريدنا الاستخبارات الاميركية أن نصدق؟ هل هناك"عاقل"يمكنه أن يقتنع بذلك، ولو كان برتبة جاسوس في الاستخبارات الاميركية؟ ألا يدفع كل هذا الى التشكيك في صدقية التقرير الأخير وفي الدوافع السياسية من وراء صدوره؟ أي دوافع انقاذ بوش من"ورطته"الايرانية وفتح الباب امام سياسة جديدة من المهادنة مع طهران، سوف تدفع المنطقة الخليجية ثمنها في الدرجة الاولى، لأنها ستكون على حساب مصالحها وربما على حساب أمنها ايضاً. ثم ألا يثير الاستهجان والشكوك أن كل اصدقاء ايران في منطقتنا، الذين انتقدوا التقارير السابقة للاستخبارات الاميركية، ووصفوها بأنها كانت مدفوعة بأغراض سياسية، لأنها أتاحت لإدارة الرئيس جورج بوش غزوه الكارثي للعراق، هم أنفسهم الذين يجدون الآن أن التقرير الاخير هو تقرير"دقيق وعلمي"، لمجرد أنه اتّجه الى استنتاج أن ايران"المسالمة"أوقفت برنامجها لتصنيع قنبلة نووية؟ واذا كانت ايران مسالمة الى هذا الحد وممانعة للتسلح النووي، فلماذا تحتاج الى إنتاج الطاقة النووية اصلاً لأغراض سلمية، وهي بين إحدى أكبر الدول المالكة لمخزون ضخم من النفط والغاز في العالم، يوفر لها هذه الطاقة بأسعار أرخص بكثير من تكاليف الانتاج النووي؟