ما يحدث في الولاياتالمتحدة من "تسونامي" ضرب القطاع المالي، ورفض الكونغرس الأميركي لخطة انقاذ مالية تقضي بضخ 700 بليون دولار من السيولة لوقف الانهيار، يشير الى أن أكبر ديموقراطية في العالم فشلت في نظامها الذي يستند الى الحرية التامة على صعيد الأسواق المالية. كما أن الحزب الجمهوري الحاكم يرفض تخويل الرئيس الأميركي انقاذ نظام مالي، سيؤدي سقوطه الى تغيير جذري في النظام الرأسمالي العالمي. فالتباطؤ الذي سيدخل فيه الاقتصاد الأميركي، وهو الأول في العالم، سيكون له تأثير على العالم بأسره. لكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يدير السياسة الماليةاللبنانية منذ 15 سنة، قال ل"الحياة"إن الأزمة"لم تؤثر في القطاع المصرفي اللبناني وفي السوق"، وإن"العملة اللبنانية تتعزز لأن مصرف لبنان أصدر منذ خمس سنوات تعميماً حذر فيه المصارف اللبنانية من الاستثمار في المشتقات المالية عامة ولا سيما الرهون العقارية التي تشكل سبب الأزمة الحالية في القطاع المصرفي العالمي". وأضاف سلامة أنه عندما بدأت الأزمة الحالية في القطاع المصرفي العالمي في آب اغسطس الماضي، لم تكن هناك أي ورقة رهن من هذا النوع في المصارف اللبنانية، وأن أرباح القطاع المصرفي اللبناني قد ترتفع بحدود عشرة في المئة مقارنة مع السنة الماضية. أما عن انهيار البورصات العالمية فقال سلامة إن هناك تأثيراً لهذه الأزمة على بورصات كبيرة مثل الصين والخليج وروسيا، ولكن لم يكن لها التأثير نفسه على لبنان حيث لا تزال مؤشرات البورصة ايجابية. وهذا مردّه وفقاً لسلامة الى تعميم أصدره المصرف المركزي منذ عشر سنوات ويحدد نسبة الاستلاف على الأسهم التي لا يمكن أن تفوق خمسين في المئة من قيمتها السوقية، أما في دول أخرى فيمكن الاستلاف لغاية 90 في المئة مما كان له تأثير كبير على ردات فعل الأسواق، التي أرغمت الجميع على تغطية مراكزها عندما كانت مديونة بأكثر مما يقتضي. أما بالنسبة إلى بورصات دول الخليج والمملكة العربية السعودية، حيث يعمل عدد كبير من اللبنانيين، فيرى سلامة أن هذه الدول لديها إمكانات مهمة لإعادة تكوين السيولة التي فقدتها سواء في البورصات المحلية أو الدولية. وإذا مرت هذه الدول في خلاف يتسم إلى حد ما بالضغط على سيولتها أو سيولة المصارف، فهو ظرف محدود زمنياً، خصوصاً أن السلطات النقدية وحكومات الدول الخليجية، وأكبرها السعودية، تدعم القطاع المصرفي، على حد قول سلامة، بشكل واضح وعلني وتضخ سيولة فيه، وبالتالي فالتأثير عليها سيكون أدنى من سواها. وعما سيسفر عن الأزمة الأميركية، فإن سلامة يعتبر أنها ستؤدي إلى مراجعة نظام الحرية التام من دون تدخل الدولة، وقيام نظام جديد مع قيود أكبر وتدخل قد بدأ على رغم عدم التوافق على خطة الانقاذ. فالجميع في العالم، وفي الولاياتالمتحدة خصوصاً، يتوقع أن يتم عاجلاً أم آجلاً التوافق على خطة الانقاذ الأميركية، وإلا فإن النظام المالي سيكون عرضة لانهيار كلي. أما في أوروبا فالنظام المعتمد يقوم على رقابة أكبر وقيود اكثر مما هو عليه في الولاياتالمتحدة، لكن الركود والتباطؤ في الاقتصاد الأميركي يؤثر على العالم بأسره. كما أن بداية انخفاض أسعار النفط، حيث وصل سعر برميل البرنت في مطلع الاسبوع إلى حوالي 92 دولار، تشير إلى بدء التباطؤ وانخفاض الطلب على النفط. وهذا ما تنظر إليه منظمة"أوبك"بحذر ودقة لتراقب الأسواق وتكيّف مستوى انتاجها مع مستوى الطلب ومع الظروف الاقتصادية العالمية. وعلى الرئيس الأميركي الجديد العمل، لدى توليه الرئاسة، على إعادة بناء نظام رأسمالي جديد ينبثق عن أزمة يصفها البعض بأنها أكثر خطراً من أزمة سنة 1929.