مما لاشك فيه أن انتشار القدرات النووية في ازدياد مطرد خصوصاً في ضوء ما تم الكشف عنه أخيراً من وجود شبكة دولية متشعبة للاتجار غير المشروع في المواد والتقنيات آلتي تستخدم في تصنيع أسلحة نووية. وإذا بقينا مكتوفي الأيدي ولم نفعل شيئاً فإن هذه التوجهات ستستمر. فلا بد أن نتوقع أن يسعى بعض البلدان التي تتصور أنها تعاني نقصاً في أمنها إلى معالجة ذلك النقص عن طريق برامج غير معلنة لأسلحة الدمار الشامل - وهذا "الطلب" على المواد والتقنيات لأسلحة الدمار الشامل سيؤدي بدوره إلى زيادة "المعروض" منها في السوق السوداء. كما يجب أن لا نندهش إذا ما تمكن الإرهابيون من الوصول، على الأقل، إلى المواد والتكنولوجيا النووية، هذا إذا لم يتمكنوا من حيازة الأسلحة نفسها. بعبارة أخرى، إذا لم يغير العالم مجرى الأمور، فأننا سنواجه خطر التدمير الذاتي. ويبدو من المنطقي، ومن خلال تجارب الآونة الأخيرة، أن هناك حاجة الى النظر في معاهدة عدم الانتشار النووي، التي أوفت بالغرض طوال ثلاثة عقود منذ عام 1970، لكي تتواءم مع واقع القرن الحادي والعشرين. وفى رأيي أننا نستطيع تقوية نظام عدم الانتشار وذلك عن طريق اتخاذ ستة تدابير أساسية ومن دون أي تهديد للسيادة الوطنية. 1- تشديد ضوابط التصدير: يعتمد نظام مراقبة الصادرات النووية على - اتفاق شرف -، وهو اتفاق - علاوة على أنه غير ملزم - محدود العضوية والمدى كذلك. فهو لا يضم بلدان كثيرة لديها قدرات صناعية متنامية. وحتى بالنسبة لبعض الأعضاء، لا تشمل الضوابط الوطنية للرقابة الشركات غير الحكومية.وإزاء ما رأيناه أخيراً فانه من الضروري إضفاء طابع العالمية والإلزام على النظام ، وإزالة الثغرات السابقة بما في ذلك تجريم أفعال الساعين إلى مساعدة الآخرين في مجال الانتشار النووي بشكل غير قانوني، مع الحفاظ في نفس الوقت على حقوق جميع الدول في الحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية. 2- منح المفتشين السلطات اللازمة: بذلت جهود كثيرة في الآونة الأخيرة- ولدواع حقيقية - في إقناع إيران وليبيا بعقد - البروتوكول الإضافي - لاتفاق الضمانات الخاص بمعاهدة عدم الانتشار، والذي يمنح الوكالة صلاحيات تفتيشية أوسع تمكنها من أداء مهماتها الرقابية على وجه أفضل. ولكن هذا البروتوكول لم ينضم إليه حتى الآن إلا نسبة أقل من 20 في المئة من أعضاء الأممالمتحدة البالغ عددهم 191 عضوا. وفى رأيي أنه ينبغي أن يكون البروتوكول الإضافي إلزامياً لجميع الدول. فمن دون الصلاحيات التى يخولها البروتوكول للوكالة لا يمكن لنا نقوم بعملنا بوجه شامل وبالمصداقية المطلوبة. 3- إعادة النظر في مادة الانسحاب من معاهدة منع الانتشار: تسمح معاهدة عدم الانتشار لأي عضو بالانسحاب بشكل قانوني بإعطاء إشعار مسبق بذلك مدته ثلاثة شهور. وبديهي أن إقدام أي دولة على هذه الخطوة إنما ينذر، بشكل مؤكد تقريبا، بتهديد للسلم والأمن الدوليين. ولذلك فانه إن لم تلغ هذه المادة فعلى أقل تقدير يجب أن يترتب على إعلان آي دولة الانسحاب من المعاهدة قيام مجلس الأمن بصفة فورية باستعراض الأمر واتخاذ التدابير اللازمة. 4- تقليل مخاطر عدم الانتشار المتصلة بدورة الوقود النووي :هناك أجزاء حساسة من دورة الوقود النووي - مثل منشآت تخصيب اليورانيوم ومعالجة الوقود المستهلك والتي يمكن من خلالها استخلاص مواد يمكن أن تستخدم بشكل مباشر في تصنيع أسلحة نووية كالبلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب. وهذا الجزء الحساس من دورة الوقود النووي يمكن جعله أقل عرضة للانتشار إذا وضع تحت مراقبة متعددة الجنسيات. وبالطبع فلابد من وضع ضوابط رقابية ملائمة لضمان استمرار إمداد المواد النووية للمستفيدين الشرعيين. 5- وقف إنتاج المواد الانشطارية للأغراض العسكرية: يجب إعادة فتح المفاوضات بشأن - معاهدة وقف إنتاج المواد الانشطارية - للأغراض العسكرية بعد تعطل المباحثات في مؤتمر نزع السلاح لمدة ثماني سنوات، وذلك لوضع نهاية دائمة لإنتاج المواد الانشطارية لأغراض التسلح. وبالنسبة للمواد الموجودة بالفعل، والتي يمكن استخدامها في إنتاج الأسلحة، بما فيها المواد الموجودة في بعض بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، فيجب فرض تدابير أمنية صارمة عليها. 6- تنفيذ التزامات نزع السلاح النووي: يجب على الدول الخمس الحائزة لأسلحة نووية المعترف بها بموجب معاهدة عدم الانتشار - وهي روسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - أن تنفذ التزاماتها طبقاً للمعاهدة بأن تمضي بخطى ثابتة نحو نزع السلاح النووي الكامل. فتدابير نزع السلاح التي اتفقت عليها روسيا والولايات المتحدة أخيراً جديرة بالثناء، ولكن مثل هذه الاتفاقات ينبغي أن تكون قابلة للتحقق وغير قابلة للنقض. وينبغي رسم خريطة طريق واضحة لنزع السلاح النووي - بدءاً بخفض كبير في عدد الرؤوس النووية التي لا تزال موجودة، وهو 000 30، وإدخال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيز النفاذ. وفى رأيي أنه إذا كان المجتمع العالمي جاداً في وقف الانتشار النووي، فانه يجب النظر في معظم هذه التدابير في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار في العام المقبل. وبالإضافة إلى ما تقدم فلابد أن نشرع في معالجة أسباب النقص الأمني. فلاشك أنه في مناطق النزاعات المزمنة، مثل الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشبه الجزيرة الكورية، فان السعي إلى حيازة أسلحة التدمير الشامل - مع أنه لا يمكن تبريره قط - سيستمر طالما أخفقنا في إيجاد بدائل تعالج النقص الأمني.وقد ركزت في أكثر من مناسبة على ضرورة البدء في حوار جاد بين أطراف منطقة الشرق الأوسط يعالج الإشكالية الأمنية برمتها عن طريق إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط والحد من سباق التسلح التقليدي والاتفاق على الإجراءات اللازمة لبناء الثقة .كما سبق وان اكدت مراراً على أن آي سباق للتسلح في المنطقة لم ولن يحقق الأمن المطلوب لآي طرف. وقد حان الوقت للتخلي عن الفكرة المحكوم عليها بالفشل بأنه من غير المشروع لبعض البلدان أن تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل بينما من المشروع لأخرى أن تعتمد على تلك الأسلحة لضمان أمنها، بل وتواصل تنقيح وتطوير قدراتها النووية ومناقشة سيناريوات لاستخدام تلك القدرات، حيث أن أية محاولة لتحقيق الأمن لبلد ما على حساب أمن غيره ستبوء بالفشل في نهاية المطاف. وفى النهاية فإنه في رأيي أن الوقت حان للتخلي عن النهج التقليدي لتعريف الأمن بلغة الحدود أو عن طريق التصنيفات العرقية والدينية. فالمجتمع العالمي أصبح مترابطاً بشكل لا رجوع عنه، مع وجود الحركة الدائمة للناس والأفكار والبضائع والموارد. وفي عالم كهذا، يجب علينا اتباع مفهوم للأمن الجماعي قادر على أن ينتشر عبر الحدود. ومثل هذا المفهوم لا يمكن أن يقوم إلا إذا استند إلى التضامن الإنساني العالمي واحترام قيمة الحياة البشرية. في مثل هذا العالم، ليس هناك مكان لأسلحة التدمير الشامل. * المدير العام لوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيينا.