إطلاق جامعة طيبة لمعرض "مكين" الهندسي    سمو محافظ الطائف يرعى حفل افتتاح المجمع القرآني التعليمي النسائي    قمة عادية.. في ظرف استثنائي    الأهلي يتحدى الهلال والاتحاد يبحث عن «النصر»    الاتحاد في مأزق الخليج.. نقاط الأمان تشعل مواجهة الوحدة والرائد    «عكاظ» تنشر الترتيبات التنظيمية للهيئة السعودية للمياه    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    برعاية ولي العهد.. انطلاق الملتقى العربي لمكافحة الفساد والتحريات المالية    صفُّ الواهمين    «الصحة» تدعو حجاج الداخل لاستكمال جرعات التطعيمات    نريدها قمة القرارات لا التوصيات    مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأمن المجتمعي    71 فناناً وفنانة في معرض «كروما» بجدة    حل وسط مع الوزراء !    محاولة يائسة لاغتيال الشخصية السعودية !    معاً لمستقبل عظيم !    أمير تبوك: ليالي الحصاد والتخرج من أسعد الليالي التي أحضرها لتخريج أبنائي وبناتي    «هاتريك» غريزمان تقود أتلتيكو مدريد للفوز على خيتافي في الدوري الإسباني    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    شتلات شارع الفن    خارطة طريق سعودية - أميركية للتعاون في مجال الطاقة    السعودية مثال يُقتدى    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    القيادة تهنئ رئيس الباراغواي ورئيس وزراء سنغافورة    «حلبة النار»… النزال الأهم في تاريخ الملاكمة    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    السفير الإيراني يزور «الرياض»    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



افتعل أزمة بين مصر وليبيا ... وكاد يتسبب بفتنة طائفية في لبنان . قصة الجاسوس الاسرائيلي الذي كشف نفسه بعدما شعر بالذنب والخطر
نشر في الحياة يوم 24 - 02 - 2002

بعد سنة ونصف السنة يخرج خالد محمود ياسين من السجن اللبناني الذي دخله في قضية من أخطر قضايا التجسّس لحساب اسرائيل، بعد ست سنوات أمضاها في سجون سورية بالجرم نفسه و14 سنة في سجون اسرائيل.
وياسين، الفلسطيني المولود في عكا عام 1944، كان يوماً ضابطاً في الجيش المصري، انتقل "مناضلاً" الى الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، ووقع أسيراً لدى اسرائيل بعد عملية نوعية ناجحة في نهاريا وجرح فيها. وقبل بمقايضة "حرّيته" بالعمالة فخرج من السجن ليحترف التجسّس على أعلى مستوياته واستطاع مجدداً الدخول الى جهاز الأمن في الجبهة الديموقراطية ومارس من خلال موقعه المسؤول فيه داخل لبنان أولاً ثم في ليبيا، عمله التجسّسي مقدماً معلومات استثمرتها الاستخبارات الاسرائيلية لحبك مخططات أدت الى أزمة حادة في حينه بين مصر وليبيا وكادت تؤدي الى فتنة طائفية جديدة في لبنان.
وتنقّل ياسين الحائز شهادة الماجستير من جامعة عين شمس في القاهرة ثم في جامعة بن غوريون في تل أبيب، في عواصم أوروبية وبرفقة ضباط "الموساد" الاسرائىليين وتلقى التعليمات ونفّذها، الى ان شعر بعقدة الذنب والخطر بعدما تمادى في جرمه، فسلّم نفسه الى السلطات السورية التي سلّمته الى الدولة اللبنانية بعد قضاء محكوميته. وحكم عليه أخيراً بالحبس 9 سنوات بقي منها سنة ونصف السنة بعد احتساب مدة توقيفه في سورية ولبنان.
وهنا الوقائع المثيرة لرحلته في عالم الجاسوسية.
قال ياسين حين سأله رئيس محكمة التمييز العسكرية القاضي طربيه رحمة: "انك تحاكم بجناية إفشاء معلومات للإسرائيليين فهل تعترف بالتحقيقات السابقة او بعضها؟". أجاب: "ان ما نسب إليّ لجهة اقدامي على التعامل مع اسرائيل هو صحيح واعترف به صراحة من دون اي ضغط او اكراه وأؤيد كل اقوالي التي ادليت بها في التحقيقات السابقة امام السلطات السورية وأمام الشرطة العسكرية في وزارة الدفاع اللبنانية وأمام قاضي التحقيق العسكري وكذلك امام المحكمة العسكرية الدائمة".
وهذا بعض ما ادلى به ياسين بحسب ما ورد في مجمل التحقيقات التي خضع لها: "أفيد أنني منذ العام 1969 وأنا من عداد الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وتدرجت في الرتب حتى وصلت لرتبة رائد عام 1973. وفي العام نفسه كنت على رأس مجموعة انتحارية في نهاريا داخل اسرائيل، وكانت مهمتنا حجز اسرائيليين حيث فضح امرنا واشتبكنا مع الجيش الاسرائيلي فقتل معي عنصران وأسرت انا بعدما اصبت واثنان آخران هما موريس خضرا ومحمد ابو دييه. وسقط للإسرائيليين سبعة قتلى و26 جريحاً. نقلت بعدها الى سجن الصرفند وبعد التحقيق معي هناك نقلت الى سجن بئر السبع بعدها حكمت 6 مؤبدات و1200 سنة حبس، ثم نقلت الى سجن صحراء النقب الذي بقيت فيه حتى العام 1985، وفي هذا العام حصلت عملية تبادل اسرى بين الجبهة الشعبية - القيادة العامة والجيش الاسرائيلي ولم يدرج اسمي وكنت يومها مستاء جداً من هذا الأمر. وبعد عملية التبادل نقلت الى سجن عسقلان، وخلال وجودي فيه وتحديداً آخر العام 1986 استدعيت من جانب الاستخبارات الاسرائيلية فرع "الشين بيت" وهناك التقيت بثلاثة ضباط عرضوا عليّ اما البقاء في السجن لقضاء حكمي وهو مؤبد وحتى الموت او الخروج من السجن والتعامل معهم أمنياً لقاء خروجي من السجن فوافقت واجتمعت بالكولونيل ديفيد وهو ضابط في الموساد وضابط آخر اسمه اسرائيل باكيت، ووضع ديفيد خطة لاخراجي من السجن بطريقة لا تلفت الانظار عليّ. قضت بأن أدّعي المرض المزمن وبعدها يتم اخراجي الى المستشفى للعلاج. وبالفعل حصل هذا الامر ونقلت الى مستشفى هداسا في حيفا، ووضعت بناء على تعليمات مشددة من الموساد بغرفة منفردة لمدة شهر ونصف الشهر خضعت خلالها وبصورة صورية للعلاج الطبي وذلك على مرأى العاملين في المستشفى. وفي هذه المدة اخذ يتردد عليّ ديفيد والضابط الثاني اسرائيل وهو اخصائي بأجهزة الاتصالات اللاسلكية والشيفرة. فدربني على طريقة كتابة الرسائل المشفرة على اوراق خاصة وشفافة بقلم رصاص خاص. ثم أعادوني الى السجن وأصبحت اتردد الى المستشفى من حين لآخر بداعي العلاج. واستمريت على هذا النحو قرابة اربعة اشهر كان خلالها جهاز الموساد قد نظم لي تقريراً طبياً وعرضه على الصليب الاحمر الدولي يشرح فيه حالتي المرضية والصحية السيئة، وفيه انه يتوجب اخراجي من السجن كون السلطات الاسرائيلية لا تهتم لوضعي الصحي وبالفعل خرجت من السجن بتاريخ 20 آب اغسطس 1987 بواسطة الصليب الاحمر عبر مرفأ الناقورة. ونقلت الى طرابلس في لبنان واستقريت في مخيم البداوي وكنت قد اتفقت مع ديفيد على ان اتصل به في ايطاليا على رقم هاتف زودني به وذلك بعد ان تم استلامي من قبل الجبهة الديموقراطية وإرسالي بعدها الى المستشفى المركزي في موسكو للعلاج.
تسفيري للعلاج
وبالفعل حصل كما قال ديفيد حيث تم تسفيري للعلاج هناك آخر شهر آب. وخلال وجودي في المستشفى في موسكو، اتصلت بديفيد عبر رقم هاتف ايطاليا فردّ عليّ المجيب الصوتي حيث اعلمتهم اني موجود في موسكو. وأعطيتهم رقم هاتف شخص في طرابلس وهو عديل شقيقي اسمه احمد حمادي على ان يتم الاتصال بي عبر هذا الرقم. وقبل خروجي من المستشفى بيومين زودت بتقرير طبي وفيه اني لا اشكو من اي مرض. وفي اليوم نفسه الذي حصلت فيه على التقرير حضرت الى غرفتي في المستشفى طبيبة وتحدثت معي باللغة العربية. وقالت لي ان رسالتي وصلت وأخذت مني التقرير الطبي وسلمتني تقريراً طبياً آخر وفيه اني اعاني من مرض مزمن. وبعد يومين خرجت من المستشفى وأقمت في اوتيل موسكو لقضاء نقاهة. فزارني في الأوتيل نايف حواتمة وتحدث معي بموضوع السجن في اسرائيل. وبعد اسبوع حضرت الى لبنان حيث مكثت في المنزل لمدة شهرين بعدها تسلمت في الجبهة الديموقراطية قائد كتيبة خليفاوي في البداوي. وبعد نحو ثلاثة اشهر اتصل بي ديفيد على رقم حمادي الذي ارسلته له وادعى ان اسمه ابو سمير فأرسل بطلبي حمادي وتحدثت مع ديفيد الذي ابلغني انه سيرسل لي رسالة مع شخص سيكون وسيطاً بيني وبينه، ويجب ان انتظره في محلة الميناء امام سينما كيلوباترا في طرابلس وكلمة السر هي بأن يتقدم مني الوسيط والذي يعرفني من خلال صورة زوّده بها ديفيد ويقول لي "ابراهيم مات" فأردّ عليه انا "الله يرحمو". وأعطاني الموعد بعد ثلاثة ايام وذهبت الى المكان في الوقت المحدد فاقترب مني شخص طويل ناصح ابيض البشرة وجهه مستدير شعره اسود اجلح يتحدث اللهجة اللبنانية وقال لي ابراهيم مات فأجبته الله يرحمو. وهنا سلمني رسالة واتفقت معه ان ألقاه صباح اليوم الثاني في المنشية في طرابلس كي اعطيه الجواب. ووجدت داخل الرسالة مبلغ 500 دولار اميركي، ويطلب مني فيها ان اكتب له تقريراً مفصلاً من يوم خروجي من المستشفى لتاريخ استلامي الرسالة، وان اشرح له طبيعة عملي الحالي في الجبهة، وأعلمني بالرسالة ايضاً انه خصص لي راتباً ثابتاً وهو 200 دولار شهرياً وأنه سوف يفتح لي حساباً في سويسرا. فأعددت الاجوبة التي طلبها ديفيد، وسلمت الرسالة للوسيط في اليوم التالي، بعدما اتفقت معه ان ألقاه بعد شهر لأستلم منه أجهزة لاسلكية مرسلة من ديفيد. وفي الموعد المحدد ذهبت الى الميناء حيث حضر الوسيط وسلمني كتاباً معدّاً لفك رموز الشيفرة على الراديو SW1 وSW2 مع ورق كاربون وقلم رصاص وورق رسائل شفاف مع تعليمات لتلقي الرسائل والأوامر على الراديو. وكان لقبه على الراديو "باب - تشارلي - دلتا" BCD. وكان دوره على هذه الموجة الساعة السابعة صباحاً والموعد البديل السابعة مساء وتتردد الرسالة لمدة اسبوع. كما استلمت من الوسيط مبلغ 1000 دولار اميركي ورسالة مختومة. ولما عدت الى المنزل فتحت الرسالة حيث كان مكتوباً فيها انه اللقاء الاخير مع الوسيط وأصبح الاتصال الآن عبر الرسائل على عنوان محدد في ايطاليا. بعدها اخذت اتلقى الرسائل بحسب الموعد المحدد وأجيب عليها. وأكثر هذه الرسائل كانت اعطاء معلومات عن التنظيمات الفلسطينية، مواقعها، عديدها، نوع اسلحتها. وبدأت ارسل الاجوبة بالبريد الى العنوان المذكور واستمريت اراسله نحو تسعة اشهر، بمعدل رسالة اسبوعياً. وفي هذه المدة استلمت جهاز أمن الديموقراطية وأصبحت كل المعلومات الامنية تأتي إليّ. فأخذت أدوّن نسختين نسخة للجبهة ونسخة للإسرائيليين وأرسلها لهم عبر البريد في ايطاليا. وفي منتصف العام 89 وردتني رسالة عبر الراديو مفادها ان اتوقف عن ارسال الرسائل عبر البريد كون هذا العنوان فضح لدى المخابرات السورية.
الوسيط
وطلب مني ان انتظر الوسيط بعد يومين في محلة الميناء وهو سيشرح لي طبيعة العمل الجديد. وبعد اسبوع تلقيت رسالة عبر الراديو من ديفيد وفيها موافقة على سفري الى قبرص وأنه عندما اصل عليّ ان اقيم في فندق اناسيليسيوس في لارنكا لمدة يومين وفيها حجز مسبق باسمي، وبعد يومين عليّ الذهاب الى نيقوسيا وهناك أتصل بالسفارة عبر اي هاتف عمومي، وعندما يردّ عليّ عامل السفارة اقول له انا الشاعر ويتحدث معي باللغة العربية، وعندما يتحدث معي باللغة العربية اي العامل اقول له اريد التحدث مع شلومو بايكير وهكذا يعرفون اني مرسل من قبل ديفيد. وبعد يومين اتصلوا بي على الاوتيل وحددوا لي موعداً، في صباح اليوم الثاني الساعة الثامنة في السفارة الاسرائيلية. وذهبت الى السفارة ودخلت فوراً اليها من دون ان يعترضني احد. وهناك التقيت بديفيد وبإسرائىل باكيت حيث اجتمعت معهما. وهنا أبلغني ديفيد بضرورة ان أتدرب على اسلوب جديد لارسال الرسائل لهم إذ ان ارسال المعلومات عبر البريد اصبح خطراً جداً، وتولى الضابط اسرائيل تدريبي على جهاز لاسلكي متخصص للبث فقط بحيث ابقى اتلقى رسائل عبر الراديو وأرسل لهم عبر هذا الجهاز، وتدربت عليه لمدة ثلاثة ايام. وعدت الى لبنان وباشرت عملي بصورة طبيعية في جهاز الأمن في الجبهة وأخذت اعمل بصورة طبيعية مع الاسرائيليين واتلقى رسائلهم عبر الراديو وأجيب عليها بواسطة الوسيط كون الجهاز لم يكن قد ارسل إلي بعد. ومن خلال عملي في جهاز الأمن وصلتني معلومات بأن المجلس الثوري لديه اسرى اجانب من بينهم امرأة يهودية حامل. وبعدما تأكدت من صحة هذه المعلومات ارسلتها بواسطة الوسيط الذي التقيته في الميناء. وعلى اساس معلوماتي تحركت الدولة الاسرائيلية وجرت عملية تبادل بواسطة الدولة الألمانية وأطلق سراح المرأة اليهودية. وبعد نحو شهرين، وكنت لم استلم بعد الجهاز الذي تدربت عليه، فصلت من مركزي كمسؤول الأمن في البداوي وعيّنت مسؤول امن خارجي في ليبيا وطلبوا مني ان اجهز نفسي للسفر. ولم استطع ان ابلغ الاسرائيليين بسفري هذا كون موعدي مع الوسيط لم يكن قد أتى بعد. اضطررت للسفر الى قبرص منها الى ليبيا، ولما وصلت الى لارنكا اقمت في فندق اناسيليسيوس واتصلت بالسفارة الاسرائيلية كالمرة الاولى فردّ عليّ شلومو بايكير الذي طلب مني الحضور الى السفارة بعد يومين. وذهبت الى السفارة في الساعة السابعة وحين وصلت وجدت ديفيد بانتظاري، فشرحت له اني لم اعد قادراً على البقاء في لبنان وأني مررت الى قبرص للانتقال الى ليبيا، فردّ عليّ ما حرفيته: "ليس هناك اي مشكلة اينما ذهبت هناك عمل". وطلب مني عند وصولي الى ليبيا، ان اعمل على كشف مصير رون اراد الطيار الاسرائيلي الذي فقد في لبنان كونه لديه معلومات انه موجود في ليبيا ومعرفة الجندي الاسرائيلي الاسير سمير اسعد درزي في اي سجن موجود. وأعلمني انه في ليبيا لا يوجد امكانية اتصال انما عند حصولي على اية معلومات عليّ ان اشفّرها وأبقيها معي لحين ايجاد وسيلة اتصال. بعدها كلفني بمهمة ثانية هي رصد قاعدة بحرية ليبية في طرابلس الغرب وتحديد مكانها وجمع معلومات دقيقة عن الجيش الليبي وانتشاره. وبعد انتهاء اللقاء عدت الى لارنكا. وبعد يومين سافرت الى ليبيا، وأقمت في بني غازي، وكان عملي في مركز الجبهة في طرابلس الغرب. وبعد ان استقريت بدأت ابحث عن المهمات التي كلفني بها ديفيد وكشفها، فلم استطع جمع اية معلومات عن رون آراد، اما عن الجندي اسعد فعلمت انه متوفي وموجود في براد مستشفى بني غازي، وعلمت انه مات اثناء التحقيق معه. كما اني استطعت رصد القاعدة البحرية وتعرفت على مسؤول القاعدة العقيد الليبي محمد العيني ودخلتها مرتين واستطعت ان اعرف انها قاعدة مشتركة ليبية - فلسطينية، واستطعت رصد غواصة داخل القاعدة وطرادات وأسلحة حماية جوية وبحرية. ودوّنت كل هذه المعلومات من طريق الشيفرة وأبقيتها معي، وجمعت أيضاً معلومات عن السجون الفلسطينية في مناطق سبها ودرنهن، وحدْلا، مع تفصيل كل سجن لأي تنظيم يتبع وشفّرتها كذلك. وتابعت عملي في الديموقراطية كالمعتاد، وفي 20 ايلول سبتمبر 1990 وردتني رسالة من إسرائيل عبر الراديو فيها ان عليّ الحضور الى قبرص فوراً مع المعلومات التي جمعتها، كوني في ليبيا بقيت أتلقى رسائل منهم عبر SW1 وSW2 مع اللقب نفسه ولكني لم اكن أستطيع ان أرسل لهم الجواب. لكن بعد خمسة ايام سافرت الى قبرص ونزلت في الفندق نفسه في لارنكا لمدة يومين ثم انتقلت الى نيقوسيا وتحدثت مع السفارة الإسرائيلية كالعادة عبر الهاتف. وفي صباح اليوم الثاني دخلت الى السفارة حيث كان ديفيد بانتظاري، فسلمته كل المعلومات التي جمعتها عن رون اراد والجندي اسعد وعن القاعدة البحرية الليبية والمراكز والسجون الفلسطينية في ليبيا. وبعدما انتهى ديفيد من نقل هذه المعلومات طلب مني العودة الى الفندق وغداً عليّ العودة مع حقيبة سفري الساعة الثامنة الى السفارة. وفي صباح اليوم الثاني جلبت حقيبة سفري الى السفارة وهناك جهزوا لي غرفة وأعلمني ديفيد انه سيأخذني معه الى إسرائيل للقاء مسؤول اسرائيلي مهم كونه مسرور من معلوماتي. وبالفعل أقمت في السفارة في قبرص لمدة يومين، بعدها حضر ديفيد وأعطاني جواز سفر اسرائيلياً عليه صورتي وتأشيرة دخول الى اليونان وبقي جواز سفري اللبناني الممنوح للاجئين الفلسطينيين في السفارة الإسرائيلية. وسافرت من قبرص الى اليونان مع ديفيد وبرفقتنا موظفة من السفارة الإسرائيلية اسمها سارة. ومن هناك الى مطار بن غوريون في تل ابيب ومنه ذهبنا فوراً الى مقر قيادة المخابرات الإسرائيلية حيث قابلني مسؤول رفيع المستوى في الموساد وهو المسؤول عن ديفيد وعرف عن نفسه باسم ابو موسى. وقبل ان يتحدث معي بأي موضوع وضعت على آلة كشف الكذب، وتبين لهم ان وضعي سليم جداً. بعدها عدت والتقيت بأبو موسى الذي شجعني وطمأنني بالعمل معهم، ثم قال لي ان سبب حضوري الى إسرائيل التدرب من جديد وبشكل جدي ولمدة اطول على الجهاز الذي تدربت عليه في قبرص، بعدها عاد وسلمني لديفيد الذي اخذني الى منزله الخاص. ثم اخذني ظهراً الى مركز المخابرات في حيفا، وهناك بقيت مدة 24 ساعة حيث عدت وتدربت من جديد مع الضابط الإسرائيلي باكيت على جهاز اللاسلكي. وبعد ان انهيت تدريبي، حضر المدعو ابو موسى فودعني وطمأنني وشجعني وأبلغني انه فتح لي حساباً في سويسرا. وصباح اليوم الثاني عدت مع ديفيد الى اليونان ومنها الى قبرص حيث ذهبنا الى السفارة الإسرائيلية، فأخذ مني جواز السفر الإسرائيلي وسلمني جواز سفري. وطلب مني الذهاب صباح اليوم الثاني الى السفارة البلغارية لجلب تأشيرة دخول إليها كونه يريد ان يأخذني الى بلغاريا. فذهبت الى السفارة واستحصلت على التأشيرة، عندها اتصلت بديفيد وأخبرته بذلك، فطلب مني ان أحجز الى صوفيا وعندما اصل الى هناك عليّ الذهاب الى فندق اوروبا حيث سيحجز لي فيه. وبالفعل سافرت الى بلغاريا ونزلت في الفندق المذكور، وبعد يومين، حضر إليّ دافيد واجتمعت به فصرح لي ان هناك خطة يجب تنفيذها بدقة وهي "ايجاد خلاف بين ليبيا ومصر". والخطة تقضي بالاتصال بالسفارة المصرية في بلغاريا، وأعطاني رقم هاتف السفارة، وأن أقول لهم صراحة اني ضابط بالجبهة الديموقراطية من دون ان اعطيهم اسمي. وأصرح لهم على الهاتف اني اريد التحدث معهم بخصوص امن مصر وعند لقائهم ان أقول لهم بشكل مختصر ان ليبيا والتنظيم الفلسطيني هناك كلفاني القيام بأعمال تخريبية في مصر مع عدد من العناصر وإني أقول لهم هذا الأمر كوني ليس لي رغبة بالقيام بعمل تخريبي في مصر. ومن ثم اعطاني ديفيد رقم هاتفين وطلب مني ان اعطيهم للمصري الذي سيقابلني وأن أقول له ان هذين الرقمين لشخصين مصريين سيؤمنان لنا كل المستلزمات داخل مصر، بعدها طلب مني ان اعود إليه وأخبره ما حصل. وبالفعل نفذت ما طلبه مني فحدد لي احدهم موعداً في فندق الشارلتون. وفي الموعد المحدد حضر شخص من السفارة المصرية في بلغاريا وعرّف عن نفسه انه مسؤول الأمن وأخبرته القصة حرفياً، عندها سألني عن اسمي فرفضت بحجة انها قضية امنية كبيرة وأريد ضمان حياتي، فقال لي ان الموضوع اكبر منه وأنه يريد الاتصال بالمسؤولين في مصر. وحدد لي موعداً في المكان نفسه بعد يومين، عندها عدت الى الفندق وأخبرت ديفيد ما حصل معي بالتفصيل، فأعطاني أمراً بلقائه وأعطاني الخطة الثانية والتي تقضي: "إذا سئلت لماذا بلغت عن الموضوع ان اجيب ان ليس عندي استعداد لقتل مدنيين، وإني مستعد ان اسلمكم المجموعات داخل مصر كوني سأدخل معهم الى مصر ولكن بشرط ان اضمن حياتي وأن يتم تسفيري الى دولة اوروبية، السويد او سويسرا، كي اقدم لجوءاً هناك. وإذا سئلت عن الأهداف التي سيتم ضربها عليّ أن أقول لهم الهدف الأول مركز القطار السريع "قطار الأنفاق" في القاهرة، وسينما في القاهرة، وسنتر المفروشات في القاهرة، وطلب مني ان اقول لهم ايضاً بأني مستعد ان اسلمهم صوراً عن جوازات سفر المجموعة التي ستدخل الى مصر للقيام بأعمال التخريب، وذلك في قبرص.
ليبيا ومصر
وبالفعل ذهبت الى الموعد حيث حضر الشخص نفسه ومعه ضابط في جهاز امن الدولة حيث عدت وأخبرته ان ليبيا بالاتفاق مع الجبهة الديموقراطية ستقوم بأعمال تخريبية داخل مصر وأخبرته اني اعطيت الذي قابلني اول مرة رقمي هاتف شخصين داخل مصر هما اللذان سيساعداننا هناك. عندها قال لي ضابط امن الدولة انه تأكد من الرقمين وتبين انهما عائدان لشخصين مصريين كانا يعملان في حقول النفط في ليبيا. وأبلغني انه مسرور من صحة معلوماتي. وسألني مجدداً لماذا بلّغت، فأجبته: كوني لا أرغب بقتل مدنيين. فسألني ما هي طلباتي كي اتعاون معهم فشرحت له كما قال لي ديفيد بأني مستعد للتعاون معهم وتسليمهم المجموعة داخل مصر بشرط ان يتم تسفيري الى السويد او سويسرا فوافق. عندها طلب مني ان اعطيه اسماء المجموعة فرفضت، ولكني قلت له كما قال لي ديفيد اني مستعد لتسليمه صور جوازات سفرهم في قبرص، فسألني لماذا في قبرص اجبته حفاظاً على أمني، وبالتالي ليس بحوزتي صور جوازاتهم في الوقت الحاضر. عندها اعطاني رقم هاتف في قبرص وطلب مني الضابط المصري انه عندما اصور جوازات سفر هذه المجموعة والحضور الى قبرص عليّ النزول في فندق كيندي نيقوسيا والاتصال على هذا الرقم وهو أحد ارقام السفارة وأعطاني اسمه. فعدت الى الفندق وقابلت ديفيد وأخبرته بالتفصيل ما حصل معي فكان مسروراً جداً كونه لا يوجد اي تعقيد. وهنا طلب مني ديفيد العودة الى قبرص. فعدت ومن بعدها سافرت الى ليبيا ومكثت نحو اسبوع وبعد ذلك انتهى عملي من قبل الجبهة في ليبيا وطُلب مني العودة الى لبنان. فسافرت الى قبرص واتصلت بالسفارة الإسرائيلية كالعادة والتقيت بديفيد وأعلمته ان مهمتي انتهت في ليبيا فلم يكن عنده اية مشكلة في ذلك وطلب مني ان اتابع الخطة قبل عودتي الى لبنان. عندها سلمني خمس صور جوازات سفر. واحد مغربي، وجواز سفر جزائري وجوازان الفلسطيني - أردنيين وجواز سفر فلسطيني - لبناني. وطلب مني الذهاب والاتصال على الرقم الذي زودني به الضابط المصري والاجتماع به وإعطائه هذه الصور عن الجوازات، وأن أقول له ان اصحاب هذه الجوازات ذهبوا الى لبنان وسوف يحصلون على تأشيرة دخول الى مصر من السفارة المصرية في لبنان، ويسافرون الى مصر من لبنان. وطلب مني ديفيد ان اقول للضابط المصري بأني انا ذاهب الى لبنان وأني سوف اسافر معهم الى مصر من هناك. وبالفعل كما قال لي الضابط المصري سابقاً نزلت في فندق كيندي ومن ثم اتصلت به حيث حضر الى الفندق وهناك سلمته صور الجوازات وأخبرته حرفياً ما قاله ديفيد. عندها ابلغني ان الحكومة المصرية تشكرني على تجاوبي وأنها سوف تسفرني الى اي بلد اريده وأعطاني مكافأة قدرها 2300 دولار اميركي ورحل. فعدت بعدها الى الفندق وأطلعت ديفيد على ما حصل معي. ومن ثم عدت بعد يومين الى لبنان واستلمت من جديد جهاز الأمن في مخيم البداوي وعدت لتلقي الرسائل من جديد عبر الراديو. وفي هذه المدة لم أكلف بشيء كونه لا يوجد وسيلة ارسال، وبالفعل بعد مدة حصلت ازمة قوية بين ليبيا ومصر وتقدمت مصر باحتجاج رسمي على ليبيا من ان الفلسطينيين ينطلقون منها للقيام بأعمال تخريب في مصر، وبدورها اقدمت ليبيا على طرد عدد كبير من الفلسطينيين وكفّت لهم يدهم في ليبيا. وأخذت اباشر عملي في الجبهة وأستمع الى الراديو يومياً لعل هناك رسالة مهمة من ديفيد. وعام 1991 وردتني رسالة منه عبر الراديو مفادها "اذهب الى مركز الحلاّب في التل في طرابلس - لبنان وانتظر الوسيط كون معه حقيبة سوف يسلمك إياها وحدّد لي التاريخ. وفي الوقت المحدد ذهبت والتقيت الوسيط وسلمني حقيبة "سامسونايت" سوداء اللون بداخلها مخبأ سري وداخله الجهاز اللاسلكي الذي تدربت عليه في إسرائيل مع حساب في البنك العربي وفيه 2000 دولار اميركي. وباشرت ارسل لهم المعلومات عبره، حيث كنت أتلقى عبر الراديو طبيعة المعلومات التي يريدونها وأرسلها لهم على هذا الجهاز. وكانت اكثر هذه المعلومات عن التنظيمات الفلسطينية في الشمال مع كوادرها وعديدها. وأكثر المعلومات التي ارسلتها في هذه الفترة هي معلومات مفصلة عن الأشخاص الفلسطينيين الذين كانوا يذهبون بواسطة الصليب الأحمر الدولي لزيارة اهاليهم داخل فلسطين المحتلة. واستمريت على هذه الحال حتى 17 ايار 94.
توقيف جعجع
وفي هذه الفترة كان الوضع في لبنان غير مستقر نسبياً كونه كان قد حصل انفجار في كنيسة سيدة النجاة في جونيه، وتم توقيف سمير جعجع بتهمة التفجير، وكنت قد ارسلت لديفيد معلومات مفصلة عن الموضوع، يوماً بيوم عبر الجهاز. وكان يطلب مني ديفيد عبر الراديو ان ارسل له كل ما توافر لديّ من معلومات عن قضية جعجع. وكان دافيد مهتماً كثيراً للموضوع وخصوصاً كوني اعرفه انه مهتم لأمر جعجع على الساحة اللبنانية. وفي التاريخ نفسه حصل اجتماع في مخيم مار الياس في بيروت للكادر الوسط والكادر الأول في الجبهة الديموقراطية وترأس الاجتماع مسؤول الساحة اللبنانية في الجبهة المدعو صالح زيدان الذي كان مستاء كثيراً من السوريين والدولة اللبنانية كون هاتين الدولتين تتجاهلان أمر الفلسطيني وقال انه سيعيد المتاريس الى لبنان في حال استمر هذا التجاهل لهم من قبل الدولة اللبنانية، وبعد انتهاء الاجتماع عدت الى البداوي، وأرسلت لديفيد برقية عبر الجهاز عما حصل في الاجتماع، وبعد يومين اتاني الرد عبر الراديو ان ابقيه على اطلاع على موضوع الخلاف بين الجبهة والدولة اللبنانية كونه يهمه كثيراً. وبقيت أطلعه على تفاصيل الموضوع. ثم بعث لي رسالة طويلة عبر الراديو يقول فيها: "يجب استغلال الخلاف الحاصل بين الجبهة والدولة اللبنانية. وأن هذه آخر مهمة لك في لبنان وأنه وضع خطة لي كي يكبر الشرخ بين الجبهة والدولة اللبنانية، والخطة تقضي ان اتصل بجهاز امن الدولة ولكن بطريقة غير مباشرة اي من طريق وسيط او مخبر لهم، وبعد الوصول إليهم عليّ اخبارهم ان تنظيم الديموقراطية بمساعدة الجبهة الشعبية سيقوم بعمليات تفجير في كنيسة سيدة النجاة في جونيه مرة ثانية، وبعدها تفجير جامع عين المريسة في بيروت، وإني سأكون انا المنسق لهاتين العمليتين وأن الذي سيقوم بتفجير الكنيسة شخصان ألمانيان، شاب اسمه طوماس وفتاة اسمها بريجينيا، وأن المذكورين سيركنان سيارة مفخخة في ساحة الكنيسة ويدخلان الى الكنيسة ومعهما متفجرات ويضعونها داخلها وعندما يبدأ القداس يخرجان ويفجران السيارة لاسلكياً وأن السيارة ستكون من نوع "ب ام ف" وأنها سوف تُحضّر في مخيم البداوي. وتابع ديفيد في رسالته: بعدها قال لهم انه بعد اسبوع من هذا الانفجار ويكون يوم جمعة سيدخل ثلاثة شبان الى مسجد عين المريسة في صلاة الجمعة ويضعون متفجرات ويخرجون من المسجد ويفجرونها، وترك لي اعطاء اسماء مسيحيين لهؤلاء الثلاثة. كما طلب مني في الرسالة ان اقول لهم ايضاً بأني استحصلت على معلومات كوني اعمل في جهاز الأمن في الديموقراطية وأنه سوف يتم اغتيال شخصيات سياسية وأني عرفت منها نبيه بري ورفيق الحريري. كما ارسل لي ديفيد بالرسالة الطريق التي يسلكها نبيه بري وهي من فندق قدموس نحو الروشة وذلك بحسب قوله ليثقوا بي جماعة امن الدولة. وختم رسالته قائلاً لي ان الخطة يجب ان اعطيها لأمن الدولة على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي ايجاد وسيط كي يوصلني إليهم ومن طريقه ألتقي بضابط امن الدولة وأبلغه بالقضية بصورة عامة، والمرحلة الثانية اعطاؤهم تفاصيل عن نوع السيارة التي ستوضع في الكنيسة مع اسماء الألمانيين والمرحلة الثالثة تحديد موعد تفجير الكنيسة وتحديد موعد تفجير المسجد وإعطاء اسماء الذين سيفجرون المسجد. وكان في آخر الرسالة انها آخر مهمة لي في لبنان وأنه بعد ان أنفذ هذه المهمة سوف يتم تسفيري الى قبرص عبر البحر بجواز سفر لبناني. وبعد ان تلقيت هذه الرسالة بدأت اخطط بدقة لجعل هذه الخطة وكأنها حقيقة، حيث بدأت اتردد الى الكنيسة وإلى المسجد وذلك كي اكون على اطلاع على الموقعين، وفي حال سئلت من قبل الضابط الذي سألتقيه مستقبلاً يكون عندي الرد الصحيح. وفي اوائل شهر ايلول سبتمبر من العام 94 ومن طريق مخبر لأمن الدولة استطعت الوصول الى ضابط في امن الدولة في بيروت، وبدأت اسرد له الوقائع على مراحل كما طلب مني ديفيد، حيث اجتمعت به في المرحلة الأولى وبعد نحو 15 يوماً عدت وأبلغته بالمرحلة الثانية. وفي هذه المدة كنت أطلع ديفيد على نتائج المراحل عبر الجهاز اللاسلكي. وقبل الاجتماع بضابط امن الدولة في المرحلة الثالثة وصلتني رسالة من ديفيد يطلب مني فيها ان آخذ الجهاز وأنتظر الوسيط بالقرب من سينما كولورادو في طرابلس وهناك اسلّم الحقيبة والجهاز للوسيط كون مهمتي تنتهي بعد ان أنفذ المرحلة الثالثة. وبالفعل ذهبت في الموعد الى المكان المبين اعلاه حيث كان الوسيط في انتظاري وسلمته الحقيبة وبداخلها الجهاز ونقدني مبلغ 3300 دولار، وطلب مني ان انتظره بتاريخ 8 تشرين الأول اكتوبر في المكان نفسه كي يسلمني الجواز اللبناني المزور، بعدها نفذت المرحلة الثالثة بحسب الخطة.
وحين سئل في المحكمة العسكرية التي قبلت طلب التمييز خلال التحقيق معه مجدداً عن طريقة إلقاء القبض عليه اجاب: "لقد شعرت بالخطأ وأحسست بخطورة ما أفعل، وعندما عدت الى ليبيا سلمت نفسي تلقائياً حين ذهبت الى السفارة السورية في ليبيا وعرضت امري على الملحق العسكري السوري هناك، وشرحت له كل ما حصل معي فأمن لي تذكرة سفر الى لبنان وسهل انتقالي بعدما زودني برسالة الى أحد مسؤولي المخابرات السورية في طرابلس في لبنان. ولدى وصولي سلمت الرسالة الى المذكور فتركني أنصرف الى مخيم البداوي بعد حصوله على عنوان اقامتي وبعد خمسة ايام جاءني مسؤول تنظيم الصاعقة هناك ونقلني الى طرطوس في سورية فأجري معي تحقيق هناك وحكم علي بالمؤبد نفذت منه ست سنوات وسلمت الى السلطات اللبنانية منذ سنة وشهرين تقريباً.
وهنا سأل القاضي طربيه رحمة هل لديك اموال في صندوق السجن اجاب بالنفي. ولماذا؟ اجاب: لا أحد يأتي لزيارتي. أليس لديك أقارب؟ اجاب: نعم، لكن الجميع يقاطعني. انت متزوج؟ نعم، أب لثلاثة صبيان وبنت صغيرهم في السابعة وكبيرهم في الحادية عشرة... ألم يزورك احد منهم؟ أجاب: لا، أبداً، أنا أقدّر وضعهم. غلطتي كبيرة لا تغتفر.
وهنا سأل الرئيس رحمة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ماذا يطلب له؟ فقال: "أطلب تجريم المتهم وفق اقرار الاتهام" ثم ترافع محاميه فعرض لوضع موكله الصحي والاجتماعي واعترافه بخطئه وتسليم نفسه طواعية، اضافة الى المدة التي قضاها في السجن، وانتهى الى الطلب بالاكتفاء بمدة توقيفاته، فقال الرئيس رحمة للمتهم: ماذا تطلب يا خالد، اجاب: اطلب الشفقة والرحمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.