لم تكن الحفلة الموسيقية الأولى التي يحييها نزلاء سجن رومية السجن المركزي في لبنان والتي تدعى إليها وسائل الإعلام وتلبيها بكثافة، بعدما أصبح محط أنظار، مذ انضم الى نزلائه سياسيون وموظفون كبار. وجاءت تلبية الدعوة الثانية وسط سجال يدور في البلاد على تعديل قانون العفو وتطبيق قانون الإعدام، بعدما كان رئيس الحكومة السابق سليم الحص امتنع عن توقيع أحكام في هذا الشأن وفق اقتناعات شخصية. كان على عدسات المصورين ان تسجل ما اعتبر إنجازاً في السجن، وهو إعلان افتتاح فرع تابع للمعهد الوطني العالي للموسيقى الكونسرفاتوار في سجن رومية، قال عنه ضيف الحفلة رئيس المعهد الموسيقار وليد غلمية إنه "سابقة في سجون العالم"... لكن الموسيقى المنسابة من انامل بضعة سجناء على أوتار العود ومفاتيح "الأرغن" والطبلة والدف ومن أنفاس العازفين على الناي، لا يشبه فرحها ذلك الفرح الذي تحدثه الموسيقى في نفوس عازفيها، في أي مكان آخر، ولا في نفوس جمهور جله من المحكومين الذين سمح لمئة منهم من أصل 1200 حضور الحفلة نظراً الى ضيق القاعة التي تقع ضمن مبنى مخصص للنشاطات، يضم مكتبة ومصنعاً للأشغال اليدوية، فيما توزع الباقون على نوافذ الزنزانات التي تشرف على القاعة يسمعون ولا يرون شيئاً. واستثني الموقوفون من المشاركة في الحفلة، وكذلك المساجين الأحداث لأن المبنى المخصص لهم يقع في مكان آخر ولأن أعدادهم كبيرة 3000 موقوف. هموم المساجين ترجمتها "العتابا" وأغنيات أداها السجين أمين عساكر، مرتدياً زياً يليق بالمناسبة على غرار المغنين، مع "الفرقة الشرقية للسجناء" التي كلما رددت "الحبسة طويلة والمهِّون ربنا" كانت التنهيدات رد فعل جمهور ضبط عناصر قوى الأمن الداخلي إيقاع طرب حاول بعضهم اصطناعه، بهدف إثارة الضحك بين الحاضرين، وهو ما شجع عساكر نفسه في بيت عتابا آخر عن الجنوب، على ترداد أمام آمري السجن "أنا مرمرني زماني وب108 دخلك شو صار والعفو وين طار" في إشارة الى مطلب تعديل قانون العفو. وانضم إليه سجين آخر اسمه أحمد جمعة حين تلا ما يشبه قصيدة، بالعامية، ختمها بقوله "في وطننا صاروا الحبايب علينا دوماً يضعوا الملامة، وبدل أن تزيدوا علينا المصائب اعذرونا بعفو ولو بفرصة ندامة، لأن النسر الذي كان اسمر صار شايب، وهمه الأهل والعيش بأمانة". كان بين الحضور من نالوا حكماً مبرماً بالإعدام، وعدد هؤلاء الى الذين يميزون حكماً مماثلاً، نحو 50 سجيناً في رومية. وقال احد مسؤولي السجن ل"الحياة" إنهم مذ سمعوا في وسائل الإعلام ان تنفيذ الأحكام سيستأنف عاد إليهم الخوف وكثرت أسئلتهم وهم اليوم يعيشون على أمل بإلغاء هذه العقوبة. وتحدث هذا المسؤول عن إصابة احد المساجين بحال من التوتر والعدائية والبكاء الشديد و"تضامنا معه وحاولنا تهدئته لأننا نحن أيضاً ضد الإعدام". ويشير الى "أن السجناء لا يدّعون البراءة خلال مدة سجنهم، لكنهم يرددون دوماً أنهم مظلومون وأن غيرهم يرتكب أعمالاً اكثر إجراماً ولا يحاسبون عليها وهم طليقون". حين انتهت فرقة المساجين من أداء الفقرات المخصصة لها حلت محلها فرقة موسيقى قوى الأمن الداخلي التي أدت ألحاناً وأغنيات من الفولكلور اللبناني، وأخرى تحكي عن الاستقلال والأرز وغاب المطرب وديع الصافي عن الحفلة لوجوده خارج لبنان، فبقيت اغنيته "الحرية عاشت فينا" مجرد سطور على برنامج الاحتفال.