رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    نائب وزير الخارجية يوقع مذكرتي تفاهم مع نائب وزير خارجية كولومبيا    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    «حرس الحدود» ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    سلام أحادي    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    وزير المالية يعقد مؤتمراً صحفياً للحديث عن النتائج الرئيسية لاجتماعات اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    نوادر الطيور    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    «القوى السعودية» تحصد تسع ميداليات في رابع أيام الخليجية    النصر يفقد لويس كاسترو في 4 مباريات    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    بطاقة معايدة أدبية    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    "الرياض الخضراء" يصل إلى عرقة    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    مدير الجوازات يتفقد جوازات مطار البحر الأحمر    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    متحدث الأرصاد: رصد بعض الحالات الخاصة في الربيع مثل تساقط البرد بكميات كبيرة.    نجران: إحباط تهريب 58 كيلوغراما من مادة الحشيش المخدر    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    النفط يقفز 3%    فوائد بذور البطيخ الصحية    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    كريسبو للهلاليين: راح آخذ حقي    السودان.. وخيار الشجعان    «سلمان للإغاثة»: اتفاقية لدعم برنامج علاج سوء التغذية في اليمن    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب "عالم تحول" بقلم جورج بوش وبرنت سكوكروفت ... الحلقة الثامنة عشرة . "أنتم موتوا ، وأنا أطير"... بريجنيف ، تشيرنينكو ثم اندروبوف وكان المعزي دائما نائب الرئيس الاميركي جورج بوش
نشر في الحياة يوم 15 - 10 - 1998

الآن وقد انتهينا من تقديم محتويات الفصول السبعة المتصلة بأزمة وحرب الخليج من كتاب "عالم تحوّل" نتحول الى الفصول الاخرى من الكتاب. اولاً الى تمهيد عن جورج بوش وظروف انتخابه وتوليه الرئاسة ثم الى مقتطفات من الفصل الاول وعنوانه "الماضي وتوطئة". ويصف بوش هنا لقاءاته الاولى مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف عندما كان نائباً للرئيس رونالد ريغان، وبعدئذ رئيساً مُنتَخَباً لم يتسلم بعد سلطات الرئاسة.
انتخب جورج بوش، المؤلف المشارك لكتاب "عالم تحوّل" رئيساً للولايات المتحدة بينما كان نائباً للرئيس رونالد ريغان ونصب في البيت الابيض في كانون الثاني يناير 1989، وبذلك يكون قد عاصر عن كثب ازمات ومواجهات كثيرة، خصوصاً في العلاقات الاميركية - السوفياتية في مراحل الحرب الباردة والحروب الاقليمية بالنيابة، وشهد فترة "الوفاق" القصيرة بين موسكو وواشنطن قبل حدوث التغيير الجذري في سياسة ادارة ريغان نحو السوفيات واطلاق ريغان اسم "امبراطورية الشر" على دولتهم.
وعاصر بوش، في عهد ادارته، مع شريكه في تأليف كتاب "عالم تحول"، مستشاره لشؤون الامن القومي برنت سكروكروفت، تحولات عميقة في عالم القرن العشرين، وكان كل منهما الى جانب الآخر مع ظهور تلك التحولات وما سبقها ورافقها ولحقها من ازمات ومخاض في صنع القرارات.
يجدر التذكير بأن بوش وسكروكرفت كتبا كتابهما بضمير المتكلم ولكن بپ"ثلاثة اصوات". اذ يعطي كل منهما منظوره للاحداث والقرارات، في فقرات كل منها تحت اسم صاحبها. واما خلفيات الاحداث فتروى بضمير جمع المتكلم وهي مطبوعة بحروف ثخينة اكثر سواداً.
يقول بوش وسكروكروفت في مقدمة كتابهما:
"بلغت ادارة بوش هدفاً قومياً جرى السعي اليه منذ اوائل الخمسينات، وضحى اميركيون وطنيون كثيرون من أجله بأرواحهم، وجُعِلَ اقرب منالاً خلال سنوات رونالد ريغان: الحرية لأوروبا الشرقية، ونهاية تهديد قاتل للولايات المتحدة. وما زرعته سياسة هاري اس. ترومان للاحتواء والادارات اللاحقة، تمكنا نحن من توصيله الى الاثمار النهائي. هل رأينا ما كان آتياً عندما تولينا السلطة؟ لا، لم نره، وما كان بوسعنا ان نخطط له. ان العالم الذي واجهناه في كانون الثاني يناير 1989 كان العالم الثنائي القطبية المعهود، عالم التنافس بين الدولتين العظميين، وان لم يعد عالم مجابهة كاملة. ومع ذلك، ففي ثلاث سنوات فقط - وما هي تاريخياً سوى لحظة - انتهت الحرب الباردة. ومع انه كان هناك بعض اللحظات الدراماتيكية، التي يعطي فتح سور برلين صورة مصغرة لها، فلربما كانت القصة الاهم ان معظمها جاء من دون دراما كبيرة. اوروبا الشرقية القت عن كاهلها السيطرة السوفياتية، المانيا توحدت، الاتحاد السوفياتي تفسّخ، وكل هذا من دون سفك كبير للدماء. وبينما وقعت خسائر في الارواح خلال الاضطراب ضمن بعض هذه البلدان، خصوصاً في الجمهوريات السوفياتية، فان اياً منها لم يقع في خضمّ اعظم تغير في الميزان الاستراتيجي منذ الحرب العالمية الاولى. وبمعنى ما، انهت هذه السنوات نحو ثلاثة ارباع قرن من الجَيَشان، وتمدد الشمولية الاستبدادية، والحروب العالمية ومعضلة الوضع النووي. كانت سمتها المميزة تعاوناً سلمياً بين الدولتين العظميين، وان كان مربكاً احياناً، يرمز اليه التعاطي مع اول ازمة في ما بعد الحرب الباردة - الغزو العراقي للكويت. وقد كانت تلك اللحظة عتبةَ عهد من الامكانية والأمل".
يروي جورج بوش انه كان يتطلع قدماً للقاء الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف عندما وصل في 7 كانون الاول 1988 الى جزيرة غفرنرز في خليج نيويورك بعدما القى خطاباً في الجمعية العامة للامم المتحدة كان حافلاً باقتراحات بعيدة الأثر لخفض الاسلحة. وكان غورباتشوف في طريقه الى اجتماع قمة قصير مع الرئيس رونالد ريغان اضيف الى نهاية زيارته لنيويورك.
يصف بوش شعوره في ذلك الحين: "في الحقيقة كنت غير مرتاح الى حد ما. اذ بصفتي اول نائب رئيس ينتخب رئيساً وهو في المنصب منذ مارتن فان بورين، كنت في وضع حرج يتطلب ان ازن دوري الحالي مقابل دوري المستقبلي. لم اكن سوى الرئيس المنتخب، على بعد اسابيع قليلة فقط من تنصيبي ولا ارسم السياسة بعد. في الوقت ذاته ادركت ان غورباتشوف كان مهتماً بمعرفة الاتجاه الذي اخطط لاتباعه في ما يتعلق بالاتحاد السوفياتي. كانت عملية موازنة حاولت المحافظة عليها منذ انتخابات تشرين الثاني نوفمبر. كان علي ان احرص على فصل خططي عن خطط الرئيس ريغان الذي كان، بعد كل شيء، ما يزال الممسك بزمام الامور وكان لطيفاً وكريماً تجاهي فوق العادة لثماني سنوات. وقد حاولت ان اتجنب اي شيء قد يبدو وكأنه يقوض سلطته، مثل الاجتماع على حدة بزعماء اجانب. كنت مصمماً على ان اكون نائب رئيس داعماً، ونائب رئيس كان، وسيظل، وفياً لرئيسه.
"اجتمعت مع غورباتشوف للمرة الاولى في 13 آذار مارس 1985 عندما كنت في موسكو ممثلاً للرئيس ريغان والولايات المتحدة في جنازة سلفه الامين العام السوفياتي كونستانتين تشيرنينكو. في اوائل الثمانينات تعقب على السوفيات سلسلة من الزعماء - من ليونيد بريجنيف الى يوري اندروبوف الى تشيرنينكو - وقد توجهت بطريق الجو الى موسكو لحضور جنازة كل منهم. واعتقد ان جِم بيكر هو الذي طلع بشعار "انتم موتوا، وانا اطير" ليصف تلك الرحلات. ومع ان تلك كانت مناسبات كئيبة بالضروة، فقد وجدت فيها فرصاً مفيدة. اذ ان الجنازات الرسمية تسمح للزعماء العالميين بعقد محادثات قصيرة. واضافة الى ذلك اعطتنا تلك المناسبات الفرصة للنظر الى الرجل الجديد في موقع السلطة. ومع نسبة الوفيات العالية في المركز الاعلى في الكرملين خلال تلك الفترة، لم تكن لدينا معرفة مباشرة ذات شأن بشخصيات الزعماء السوفيات، اذ كلما بدأنا التكيف مع احدهم، كان يموت".
ويروي بوش ان غورباتشوف استقبله بعد الجنازة والوفد الاميركي، الذي ضم وزير الخارجية جورج شولتز، في الكرملين، ويقول: "سجلت انطباعاتي الاولى عنه في برقية ارسلتها الى الرئيس ريغان. وتعكس لغتها كلاً من الفترة الزمنية وشكوك الحرب الباردة، لكني اعتقد، باستعادة الماضي، ان مضمونها لمح وان يكن ربما من دون قصد الى ما كان سيأتي:
"سيغلّف غورباتشوف الخط السوفياتي للاستهلاك الغربي في صورة اكثر فاعلية من أي اكرر أي من اسلافه. لديه ابتسامة تزيل النقمة، وعينان دافئتان، وطريقة جذابة لشرح نقطة ما ثم العودة بسرعة لاقامة اتصال حقيقي مع محاوريه.
"يمكنه ان يكون حازماً جداً. مثال: عندما اثرت مسألة حقوق الانسان في صورة محددة، قاطع تقديمي ليعود بالاسراف اللفظي نفسه الذي سمعناه من قبل. وهذا اقتباس عنه: "ضمن حدود الولايات المتحدة انتم لا تحترمون حقوق الانسان" او مشيراً الى الاميركيين - الافريقيين "انتم تقمعون حقوقهم بوحشية". ولكن الى جانب ذلك ما يلي: "سنكون على استعداد للتفكير في الامر"، و"فلنعين محاورين ونناقش المسألة". مع كون لب حديثه كما يلي - "لا تلقوا علينا محاضرات عن حقوق الانسان، لا تهاجموا الاشتراكية ولكن دعونا ليأخذ كل منا قضيته للنقاش!".
من خلال النظر الى تلك الكلمات بعد مضي سنوات عليها، تبدو كوصفة تقريباً للطريقة التي ظهرت بها للعيان العلاقات الأميركية - السوفياتية في السنوات اللاحقة. اذ اخذنا نتحدث عن المشكلات، ولا نسمح لها باعاقة التقدم. ولكن كانت هناك علائم اخرى على التغير برغم اننا ربما لم نهتدِ إليها عام 1985".
يقول بوش: "نميت بعدئذ تفهماً جيداً لغورباتشوف خلال زيارته لعقد القمة مع ريغان في واشنطن في كانون الاول ديسمبر 1987. وعندما قابلته في السفارة السوفياتية ناقشنا حملة انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة. وأنا متأكد من أنه لم تكن لديه رغبة في حشر نفسه في انتخابات اميركية، ولكني كونت انطباعاً بأنه لن يكون غير سعيد اذا ما فزت. وافترض انه توقع مقداراً من القدرة على التكهن والاستمرارية من عهد ادارة ريغان في مجال نزع الاسلحة، وفي العمل معاً بخصوص المسائل الاقليمية، وفي تشجيع السوفيات نحو الانفتاح والاصلاح".
قال بوش لغورباتشوف انه لا ينبغي ان يقلق من "مدافع الحملات اللفظية الفارغة" التي سيسمعها خلال حملة الانتخابات التي ستكون حافلة بتصريحات قوية متشددة من مختلف المصادر بشأن العلاقات الاميركية - السوفياتية، ويجب ألا يأخذها على محمل الجد اكثر مما ينبغي. وابلغه بوش ايضاً انه مستعد للتفكير من جديد في العلاقة المستقبلية بين بلديهما.
بعد سنة من ذلك التقى بوش، في دوره الجديد كرئيس منتخب الزعيم السوفياتي في جزيرة غفرنرز وجاء اللقاء، كما يقول بوش "وسط حملة دعاية سوفياتية". ويقول عن غورباتشوف: "في حلول هذا الوقت كان قد اسر خيال العالم بأكمله وكان ربما رجل الدولة الاكثر شعبية في العالم. كان خطابه في ذلك اليوم في الامم المتحدة دراماتيكياً لجهة كل من المضمون والالقاء. وكان واضحاً انه احب ما يرافق الظهور هناك من فرص التفنن في الأداء. كان غورباتشوف قد قال ان التهديد باستخدام القوة يجب الا يكون بعد الآن اداة للسياسة الخارجية. وقد وعد بتحويل النظرية العسكرية الى موقف دفاعي الى حد اكبر وسيخفض من جانب واحد قواتهم بپ500000 رجل في غضون سنتين. وكان هذا الخفض، بالنظر الى مجموع القوات، صغيراً ولكن بداية جيدة. واعلن ايضاً ان فرقاً مدرعة عديدة ستسحب من تشيكوسلوفاكيا، وهنغاريا، والمانيا الشرقية في حلول عام 1991 وستسرح. وكنت اتطلع قدماً الى سماع ما سيضيف عندما يتحدث مع الرئيس.
برز غورباتشوف من المركب مبتسماً ابتسامة عريضة، لابساً بدلة رمادية انيقة مفصلة وربطة عنق حمراء. وبعد تحية الرئيس له، انضممت اليهما واعياً نفسي وسرعان ما دخلنا احد المباني. ومع بقاء شهر ونصف على انتهاء فترة رئاسة ريغان، فقد كان هذا اجتماعه الوداعي مع رجل صار يحترمه ويشعر نحوه بمودة وصداقة صادقتين. لقد نقل ريغان العلاقة الاميركية - السوفياتية مسافة طويلة الى الامام. وبدد الاسطورة القائلة بأنه يعارض معارضة مطلقة كل شيء له صلة بالاتحاد السوفياتي، ولم يعد الزعماء السوفيات ينظرون اليه كمقاتل حرب باردة عنيد.
جورج بوش
"كان حديثنا غريباً، مزيجاً من القديم والجديد. تحدثت انا مرات قليلة. في احدى المراحل سألني ريغان عما اذا كان لدي شيء اريد ان اضيفه. قلت انني آمل بالبناء على ما انجزه في العلاقات الاميركية - السوفياتية. واضفت اننا سنحتاج الى بعض الوقت لمراجعة القضايا، ولكن ما تم تحقيقه لا يمكن عكسه. قال غورباتشوف انه يتفهم. وبدا له ان البوادر امام علاقاتنا تبدو طيبة. وقال ان هناك الشيء الكثير الذي نستطيع هو وانا ان نفعله معاً، وحض على ان افكر في الامور الممكنة.
وعدت، وكنت اريد تجنب الامور المحددة، بالاستمرار عموماً على سياسات ريغان تجاه الاتحاد السوفياتي. قلت لغورباتشوف انني سأقوم بتشكيل فريق جديد. واضفت ان لا نية لدي لاعاقة الأمور، لكني بالطبع اريد صوغ سياساتي الخاصة بي في مجال الامن القومي.
سيكون ضمن مجموعتنا أناس يأملون بتحريك العلاقة الى أمام، وإذا استطعنا تحقيق تغيير بالنسبة الى أزمة نيكاراغوا حيث كان السوفيات يصبون المساعدات، فإن هذا سيساعد في مجال خفض الأسلحة وكل شيء آخر. لم يجب، ولم يعرض أي شيء في ما يتصل بنظرته الى مستقبل العلاقات الاميركية - السوفياتية، مجرد بعض الإشارات العامة الى أمله بأن تستمر الأمور كما هي.
كان بين الجالسين في الجانب السوفياتي أناتولي دوبرينين، وهو رجل عرفته جيداً وأحببته. كان عمل سفيراً لدى الولايات المتحدة لأكثر من عشرين عاماً وصار الآن مساعداً خاصاً لغورباتشوف. خلال استراحة، جاء غورباتشوف الي وقال انني أذا أردت توصيل أي رسالة خاصة سراً، فإن علي ان استخدم أناتولي. وبالنظر الى ان وزير الخارجية ادوارد شيفاردنادزه، وسكرتير اللجنة المركزية اليكساندر ياكوفليف، والسفير الحالي يوري دوبينين وآخرين كانوا موجودين الى جانبه، فقد فوجئت من أن غورباتشوف قد اختار دوبرينين كپ"قناة خاصة" مصدّق عليها. وبالنظر الى الماضي، فإني أحسب انه يعطي اشارة الى حرصه على التحرك الى أمام في العلاقات السوفياتية - الاميركية ورغبته في اتصال وثيق بي كرئيس، وكانت تلك علامة طيبة".
يقول بوش ان غورباتشوف أظهر غضبه مرة واحدة خلال الاجتماع وذلك عندما سأله ريغان عن التقدم في الاصلاح وإعادة الهيكلة، "بيريسترويكا"، ورد غورباتشوف بقدر من الشعور الحقيقي: "هل أنت أكملت كل الاصلاحات التي تحتاج الى إكمالها؟". ويعقب بوش على ذلك بالقول: "اعتقد انه أساء تأويل السؤال كانتقاد، إذ بعدما تحدثنا عن رغبتنا في رؤية الإصلاح وهو ينجح، هدأ الى حد كبير وعاد إليه مزاجه الحسن".
قطع غورباتشوف زيارته في اليوم التالي بسبب الزلزال العنيف الذي ضرب أرمينيا. وكان بين من ذهب من الاميركيين الى ارمينيا على طائرة محملة بإمدادات اغاثة ابن الرئيس بوش، جب، وحفيده جورج. ويقول بوش: "بكى ولداي كلاهما متأثرين بما رأيا. وفي ما بعد حدث ان قال لي غورباتشوف وان قال شيفاردنادزه لجيم بيكر انه عندما بكى بوش الأب وابنه، ارسل هذا رسالة قوية عبر الاتحاد السوفياتي برمته بأن الاميركيين متأثرون فعلاً بمعاناتنا. وعكس هذا نغمة جديدة في مواقفنا تجاه بعضنا البعض كبشر".
في اليوم التالي لقمة جزيرة غفرفرز جلس بوش مع برنت سكوكروفت، مستشاره المعين للأمن القومي، وقال له انه يريد منه ان يعد شيئاً دراماتيكياً لتحريك العلاقة مع موسكو الى أمام "ليس فقط بالاستجابة لأحدث أفكار غورباتشوف، وانما بشيء ما جريء ومبتكر من شأنه ان يعيد تأكيد الزعامة الاميركية في تقرير شكل الأجندة الدولية".
يضيف بوش انه كان هناك ايضاً "حاجة سياسية عملية" للرد على لفتات غورباتشوف. "فبرغم ان تخفضياته لعدد الجنود لم تؤثر في صورة مهمة في التفوق السوفياتي في القوات التقليدية، كنت أعلم ان اقتراحاته من شأنها ان تكون جذابة للأوروبيين، خصوصاً الألمان. كان غورباتشوف يحظى بشعبية واسعة في أوروبا. كان هناك نوع من الشعور بالنشوة في الاجواء. وقد زاد خطابه الضغط على ادارتنا الآتية كي نتحرك، ونجاريه بعروض من جانبنا. لم أرد ان أُرى متخلفاً وراء غورباتشوف، باستجابات حذرة بطيئة الخطى. ومع ذلك، فقد كنت متأكداً من أنني لا أريد أيضاً القيام بتحرك أحمق أو قصير النظر".
يعرب بوش عن اعتقاده بأن غورباتشوف كان ملتزماً بإصلاح بلاده وسياستها الخارجية الى حد انه ما كان بوسعه أو في خاطره أن يتراجع عن الثورة التي حركها. ويقول انه لم يشاطر أبداً بعض خبراء الشؤون السوفياتية نظريتهم القائلة بأن غورباتشوف سيمتحن الادارة الاميركية الجديدة فوراً ليرى كيف سيكون رد فعلها "لكنني اعتقدت بأنه كان يراقب بحذر ليرى ما إذا كنا سننحرف نحو نهج أكثر تشدداً من ذاك الذي اتبعه ريغان في نهاية ادارته.
وعن أهمية تطور العلاقة الشخصية بينه وبين غورباتشوف وانعكاساتها على العلاقات بين بلديهما يقول بوش ان الواحد منهما كان يخاطب الآخر في الثمانينات بپ"السيد رئيس المجلس" و"السيد نائب الرئيس" ثم "السيد الرئيس" وانتهيا في أوائل التسعينات بأحاديث غير رسمية وودية بين "ميخائل" و"جورج". ويقول: "تلك الثقة المتنامية عند كل منا في الآخر صارت مهمة جداً وساعدت كلاً منا في التوصل الى قرارات صعبة، واحياناً مثيرة للجدل. شعرت بأن بامكاني أن أثق به، واعتقد انه شعر بأنه يستطيع ان يثق بالغرب في هذا الوقت، وقت أزمة الاتحاد السوفياتي الأعمق والنهائية في آخر المطاف. ولو كانت القوى المحركة بيننا، وبين الزعماء الآخرين، مختلفة، فلربما كانت التغييرات التي شهدناها أكثر ايلاماً مما كانت. لست أقول ان حرباً كانت ستندلع، لكن طبيعة المانيا موحدة، أو الطريق الى تخفيضات الأسلحة والقوات - ناهيك عن معالجة حرب الخليج - كانت من دون شك ستكون مختلفة وربما كان عالمنا أقل أماناً".
يقول بوش ان ما ميز علاقته بغورباتشوف عن العلاقات التي سبقتها بين الرؤساء الاميركيين والزعماء السوفيات هو مقدار الاتصال بينهما و"من المحتمل انه كان لي تفاعل معه اكثر من مجموع ما كان لجميع اسلافي مع نظرائهم السوفيات. احببت الاتصال الشخصي مع ميخائيل - أحببته هو. كم من الرؤساء الاميركيين يستطيعون قول ذلك عن زعيم الاتحاد السوفياتي؟ ان يقول روزفيلت أو ترومان ذلك عن ستالين؟ كينيدي عن خروتشوف؟ نكسون عن بريجينيف؟ انني أعلم ان الرئيس ريغان أحس بشعور داخلي تجاه غورباتشوف أيضاً - وهو شعور كان متبادلاً بصدق - ولكن لم تتح له الفرص للعمل معه عن قرب كما أتيح لي".
يعرض بوش ل "التغيير اللافت" في العلاقة بين الدولتين العظميين مقارنة بما كانت عليه في السنين الخمسين السابقة التي يقول ان موسكو وواشنطن كانتا منغمستين خلالها في تنافس وصلت آثاره الى كل انحاء الكرة الأرضية وتغلغلت في كل جانب من جوانب السياسة الدولية. "كانت الحروب في العالم الثالث، وتقسيم أوروبا وشبكة العلاقات المقسمة في الامم المتحدة كلها جزءاً من الكفاح المطول".
يعدد بوش الأزمات الكبرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في حقبة الحرب الباردة، ويصفها بأنها كادت تكون صدامات حقيقية: برلين، كوريا، أزمة الصواريخ الكوبية، فيتنام، اثيوبيا، افغانستان، نيكاراغوا وسباق التسلح المستمر. ويقول:
"بيئة الشك والتنافس شجعت، في أفضل الاحوال، علاقات غير مستقرة بين بلدينا. طوال الحرب الباردة لم يكن هناك قدر كبير من الاتصال المباشر بين موسكو وواشنطن، باستثناء ما يتعلق بالأمن والحد من الأسلحة. تمسكت الدولتان بنظرات متعارضة في صورة اساسية الى المجتمع، والحكومة وعلاقة الانسان معهما. كان الاتحاد السوفياتي، فلسفة وعملاً، ملتزماً بفرضية ان النظامين لا يمكنهما دائماً ان يتعايشا ... وبينما نبعت العداوة بين الحليفين السابقين في زمن الحرب العالمية الثانية من العوامل الايديولوجية للمنافسة، فقد نبع عنصر الاستعجال في الوضع السياسي من مضامينه الخطيرة بالنسبة الى الأمن القومي. اذ واجهت الولايات المتحدة، للمرة الأولى، خصماً قادراً على ضربها في أي مكان بحيث يلحق بها خسائر لا يمكن قياسها في الأرواح، وأضراراً وبؤساً بالشعب الاميركي خلال لحظة عملياً".
كان المبدأ الرئيسي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة واستراتيجيتها الأمنية في الخمسينات هو "احتواء" الاتحاد السوفياتي وسيطرة الشيوعية ونفوذه. وفي حلول أواخر الستينات، مُزِجت طبيعة الاحتواء التصادمية الفجة بفكرة الوفاق. وكان افتراضها الاساسي ان الدولتين العظميين ستوجدان جنباً الى جنب في المستقبل غير المحدود. "وبناء عليه فإن تركيز سياستنا يجب ان يكون على تقليص احتمالات الصراع بالسعي الى تخفيف التوترات وزيادة مجالات التعاون. أما من الناحية العملية فإن التنافس والشك المستمرين اثبتا أنهما أقوى من الوفاق. ومع عدم قدرة الوفاق على ان يعدل في صورة مهمة مواقف الاتحاد السوفياتي وسلوكه، إنهار في نهاية الأمر مع الغزو السوفياتي لافغانستان عام 1979".
عندما تولى ريغان الرئاسة، انعطفت السياسة الاميركية انعطافاً حاداً عاد بها نحو المجابهة. "وحل محل الوفاق فكرة اسقاط الاتحاد السوفياتي في الأجل الطويل، بممارسة الضغط الاقتصادي والسياسي لتشجيع الانهيار النهائي. وكانت استراتيجية ريغان هي التعامل مع السوفيات من مركز قوة متجددة، وركز على تعزيز للقدرات الدفاعية لكي يمارس الضغط عليهم، بدلاً من مجرد الاعتماد ببساطة على المفاوضات. لم تكن هناك اجتماعات قمة في سنوات رئاسة ريغان الباكرة، فيما كانت الولايات المتحدة تعيد بناء دفاعاتها وتقوم بتحديث قواتها النووية. ولكن بحلول فترة 1984 - 85، مع بلوغ عملية التعزيز شوطاً متقدماً، أخذت الحملات الكلامية تخف حدة، وساعد وصول غورباتشوف واصلاحاته في 1985 على تسريع هذا التغيير".
برنت سكوكروفت
"بينما كنت، في صورة عامة، نصيراً قوياً لسياسة ريغان تجاه الاتحاد السوفياتي، كنت بهدوء منتقداً لبعض وجوه تنفيذها. وكان احساسي ان الحديث الطنان عن "امبراطورية الشر" كان مسرفاً. وقد مال هذا الى اثارة خوف حلفائنا وجعل الزعامة الاميركية للغرب أصعب".
ثم يقول سكوكروفت: "عندما بدأنا تخططينا بخصوص مقارباتنا الجديدة، شعرت بان المراهنات أعلى بالنسبة الينا من أن نعمل على اساس التمنيات. فنحن كبلد أخطأنا في مرحلة أبكر بظننا ان تعرجاً في الطريق هو تغير أساسي في الاتجاه، وكنت مصمماً على ان نخطئ الى جانب الحكمة. كانت لي سمعة بأنني حذر - وهي تهمة أقر بأنني مذنب بها. أنني اعتقد ان على المرء ألا يحاول تغيير اتجاه سفينة الدولة العظيمة إلا بحذر لأن التغييرات، بمجرد صنعها، يصعب عكسها بصعوبة بالغة. وقد كان هذا الجانب السلبي الكبير في وفاق أوائل السبعينات. اذ بسبب جاذبيته السياسية، اتخذ ما كان عملياً مناورة تكتيكية محض - في التفكير الشعبي - صفة تغيير استراتيجي دائم في العلاقة الاميركية - السوفياتية، وهو خطأ دفعنا بسببه ثمناً باهظاً لبعض السنين. ذلك ان انضباط وتشدد وتكاليف الحرب الباردة لم تعد تبدو ضرورية، وبدأ تصميم الولايات المتحدة على احتواء الاتحاد السوفياتي يضعف. ونتيجة لذلك، على الأقل جزئياً، صارت موسكو اكثر عدوانية في مناطق مثل اثيوبيا، وانغولا وافغانستان. واستلزم الأمر قسوة ادارة ريغان وتصميمها، بانفاق كبير من الميزانية، لاستعادة منظور واقعي. وبالنظر الى العواقب المكلفة لتجربة الوفاق، فإنني لم أرد ان نكون مسؤولين عن تكرار لذلك الأداء. كان السؤال الحقيقي هو: هل نحن نظن خطأ، مرة أخرى، ان تغييراً تكتيكياً في الاتحاد السوفياتي هو تحول أساسي في العلاقة؟ لقد اعتمد الجواب الى حد كبير على غورباتشوف، وعلى ما كان ينوي عمله وكيف سيستقبل ذلك داخل الامبراطورية السوفياتية....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.