"تقييم الحوادث" يوضح حقيقة استهداف التحالف (منزلين) بمنطقة (شعبان) بمحافظة (صعدة)    وزير الدولة للشؤون الخارجية يودع سفير كازاخستان    بتوجيه أمير عسير.. انطلاق برنامج "حياة" للإسعافات الأولية في مدارس التعليم بالمنطقة    صندوق النقد يدشن مكتبه الإقليمي بالرياض    جازان.. سلة فواكه السعودية    نائب أمير مكة يزور مقر الأكاديمية السعودية اللوجستية بجدة    أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج 7784 خريج وخريجة من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل    أمير القصيم يؤدي صلاة الميت على الفهيد    إعلان مواعيد مباريات الجولات الأربع الأخيرة ل"روشن"    إتاحة رخص الأشياب غير الصالحة للشرب إلكترونياً    بمشاركة 65 متدرباً ومتدربة على مستوى المملكة: تدريب المعلمين والمعلمات على منهجية STEAM بتعليم عسير    انطلاق اعمال وورش العمل للمؤتمر السادس عشر للمستجدات في طب الأطفال بمشاركة متخصصين على مستوى المملكة    لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الأمريكية في مجلس الشورى تلتقي بوفد من الكونجرس الأمريكي    الشورى يطالب بتمكين موظفي الحكومة في ريادة الأعمال    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    «الموارد»: 77% نسبة الصلح في الخلافات العمالية.. و4 محاور لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    «الصندوق العقاري»: لا نية لتغيير موعد الدعم السكني.. الإيداع في 24 من كل شهر ميلادي    مبتعثة تنال جائزة تحدي الأمن السيبراني    ارتفاع الصادرات غير النفطية 4.4% في فبراير    المرصد وحزب الله : إيران تقلص الوجود العسكري في سورية    خادم الحرمين الشريفين يجري فحوصات روتينية في «تخصصي جدة» لبضع ساعات    بمشاركة نائب رئيس الوزراء البريطاني .. الرياض تستضيف مبادرة (great futures) في مايو المقبل    ترشيح "واحة الإعلام" للفوز بجائزة الأمم المتحدة لمشروعات منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات "WSIS 2024"    النائب العام يُقرّ إنشاء مركز برنامج حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    الأرصاد: الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    توسعة وتطوير مطار الأحساء الدولي ومطار الرس    جيسوس: الحكم حرمنا من ركلة جزاء واضحة    حارس العين: حاولت تهدئة اللعب بإضاعة الوقت    محافظ الزلفي يطلق حملة الدين يسر    «تأشير» ل «عكاظ»: 200 مركز لخدمات التأشيرات في 110 دول    فائدة جديدة لحقنة مونجارو    علامات ضعف الجهاز المناعي    مبادرة 30x30 تجسد ريادة المملكة العالمية في تحقيق التنمية المستدامة    إنسانية دولة    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان التعاون والتطورات    تفاهم لتعزيز التعاون العدلي بين السعودية وهونغ كونغ    شاهد | أهداف مباراة أرسنال وتشيلسي (5-0)    أضغاث أحلام    الدرعية تكشف تفاصيل مشروع الزلال    تأثير الحياة على الثقافة والأدب    «خيسوس» يحدد عودة ميتروفيتش في «الدوري أو الكأس»    الهلال يستضيف الفيصلي .. والابتسام يواجه الأهلي .. في ممتاز الطائرة    يوفنتوس يبلغ نهائي كأس إيطاليا بتجاوزه لاتسيو    إشادة عالمية بإدارة الحشود ( 1 2 )    دورة حياة جديدة    عدوان الاحتلال.. جرائم إبادة جماعية    القوات الجوية تشارك في "علَم الصحراء"    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    طريقة عمل ديناميت شرمب    طريقة عمل مهلبية الكريمة بالمستكه وماء الورد    سعود بن نايف يشدد على تعريف الأجيال بالمقومات التراثية للمملكة    محافظ الأحساء يكرم الفائزين بجوائز "قبس"    أتعبني فراقك يا محمد !    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    مجلس الشيوخ الأمريكي يمرر حزمة مساعدات أوكرانيا    عبدالعزيز بن سعد يناقش مستقبل التنمية والتطوير بحائل    متى تصبح «شنغن» إلكترونية !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الخط المدني" من الكتابة اليدوية إلى الرقمية في القرن ال 21
نشر في أزد يوم 02 - 05 - 2018

_ أحمد صالح تميزت الخطوط العربية القديمة بجمالها وتنوعها لكن الخطين المكي والمدني برزا في الاستخدام أكثر من غيرهما من الخطوط على مر التاريخ خاصة الخط المدني الذي كُتب به القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمراسلات النبوية مع الملوك والرؤساء على مر العصور، ناهيك عن النقوش التي عثر عليها على الصخور وسفوح الجبال.
يأتي ذلك فيما تعدّدت آراء العلماء حول معرفة الأصل الأول للخط العربي، فمنهم من أعاده إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، مستندًا لقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: (أول من كتب بالعربية قيل: إسماعيل عليه السلام)، ومنهم من قال إنه مأخوذ من عرب الأنباط في القرن الرابع قبل الميلاد، مستندين في قولهم إلى الآثار والنقوش والشواهد التأريخية التي بقيت في العديد من المناطق في الشام، وشمال الجزيرة العربية.
ويعد النديم أول من أشار إلى تسمية الخطين المكي والمدني في كتابه (الفهرست) نقلا عن محمد بن إسحاق الذي قال : أول الخطوط العربية: الخط المكي، ثم المدني، فالبصري، والكوفي، وقال النديم في وصفه للخطين المكي والمدني: ( فأما المكي والمدني ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع، وفي شكله انضجاع يسير).
وبحسب وثائق تاريخية لدى دارة الملك عبدالعزيز فقد أدخل أبو الأسود الدؤلي إصلاحاً على الكتابة الحربية حين بدأ بإعراب القرآن الكريم بوضع نقطة حمراء فوق الحرف علامة على الفتحة وأسفله علامة على الكسرة، وعلى يساره علامة على الضمة ونقطتين معاً للتنوين، وكان ذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان.
وحث النبي محمد صلى الله عليه وسلم على تعلم الكتابة في المدينة المنورة، إذ قال ابن عبد البر في الاستيعاب: إن عبد الله بن سعيد بن العاص قال: أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعَلِّمَ الناس الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا محسنا، وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال: (عَلَّمْتُ ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن)، ولم تنتشر الكتابة العربية في المدينة المنورة إلا بعد الهجرة النبوية بأكثر من سنة، ووصل عدد الكتّاب في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى 42 رجلاً .
أما في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز – رحمه الله – فقد تم تدوين السنة النبوية الشريفة تحقيقًا لرغبة (جدّه) الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي جاشت في نفسه هذه الرغبة مدة ثم عدل عنها خوفا من أن تلتبس بالقرآن الكريم أو يصرف الناس إليها، وذلك وفقًا لرواية البخاري بصحيحه في باب "كيف يقبض العلم".
وتزخر منطقة المدينة المنورة بإرث ثمين من النقوش الإسلامية المبكرة التي نقشت على صخور جبالها وضفاف أوديتها وغدرانها وعلى طرق القوافل القديمة التي تمر بها، ويميزها عن غيرها من النقوش أن أكثرها هي لأهل المدينة المنورة أو ممن استقر بها، ولاتقتصر هذه النقوش فقط على الرجال بل ثمت نقوش للنساء فيها نصيب.
ومما يزيدها أهمية أن تاريخ هذه النقوش يعود إلى القرن الأول الهجري، ومنها نقوش مؤرخة وأخرى يمكن تحديد تاريخها بالرجوع إلى نسب الناقش في كتب التراجم، وتتنوع نقوش منطقة المدينة المنورة ما بين آيات قرآنية، وأدعية، ورسائل، وشعر، ونقوش إخبارية، وهذا التنوع الثري جعلها مصدرًا مهمًا للعلماء، والباحثين في دراستهم للخط العربي وتطوره وبخاصة الخط المدني.
ومع مطلع قيام الدولة السعودية الثالثة، اعتنى الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – بالخطوط العربية، وأصدر قرارًا بالعناية بالكتب التي تدرس الخطوط العربية، ومنها كتاب بعنوان (الخط العربي وآدابه) لمؤلفه محمد طاهر بن عبدالقادر الكردي المكي – رحمه الله -.
وعزز هذا الاهتمام ما يقوم به حاليًا مركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية التابع لدارة الملك عبدالعزيز، حيث يهدف المركز إلى المحافظة على الوثائق والمخطوطات القديمة والاعتناء بها، وذلك من خلال الخدمات الفنية المساندة لدور الدارة في حفظ الوثائق والمخطوطات المختلفة من خلال التعقيم، والمعالجة، والترميم، والميكروفيلم، والتصوير الرقمي، والتجليد، في حين لا يقتصر عمل المركز على حفظ مقتنيات الدارة فقط بل يتعداها إلى المحافظة على هذا التراث الموجود لدى المواطنين والمكتبات العامة والخاصة.
وأطلق صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز -أمير منطقة المدينة المنورة رئيس هيئة تطوير المدينة المنورة – المبادرة للاهتمام بالخط المدني؛ وذلك اثناء افتتاح سموه الكريم لمعرض مخطوطات المدينة المنورة الذي أطلقته دارة الملك عبدالعزيز عام 1436ه.
وتحتفظ مكتبات عالمية بنسخ من المصحف الشريف كتبت بالخط المدني من أبرزها : مكتبة باريس الوطنية في فرنسا، ومكتبة جامعة ليدن في هولندا، ومكتبة جامعة برمنجهام في بريطانيا، ومكتبة برلين في ألمانيا.
وأفادت الدارة في تقرير لها عن الخطوط العربية أن البحث في أصل الخط العربي وأصالته أصبح نوعًا من المغامرة العلمية والمجازفة الأدبية والمعركة الفنية التي قد لا تثمر في ظل هيمنة المقولات الاستشراقية وطغيان النظريات الآثارية التي تقول بأن الخط العربي مشتق من خطوط وكتابات سابقة كالخط السرياني والخط النبطي والخط المسند والخط الحضري وغيرها من الكتابات والخطوط.
وفي ذلك السياق أوضح عميد كلية الفنون والعمارة الإسلامية في جامعة العلوم الإسلامية العالمية في الأردن الدكتور إدهام محمد حنش، أنه على الرغم مما شاع في التاريخ الثقافي القديم من أن الكتابة كانت قليلة عند العرب، وأن خطهم كان بسيطاً ومتواضعاً.. إلا أن العرب قد وضعوا بأنفسهم صور الحروف الخطية العربية وأشكالها، ووضعوا صيغ الفصل والوصل بين هذه الحروف الخطية، ووضعوا لها مكملاتها الوظيفية اللغوية من الإعجام والشكل أو النقاط التمييزية والحركات الإعرابية.
وبين أنه يمكن معرفة ذلك بوضوح فيما ذهبت إليه المصادر اللغوية والتاريخية العربية من أن الحقيقة الأولى والأساس في هذا السياق تتمثل في أن خط الجزم هذا هو «الخط العربي» الأول الذي كتب به المصحف الإمام على نحوٍ جمالي وفني أصيل وفريد من الأسلوب أو الطريقة التي جعلت هذا الخط هو الأصل المعرفي لخطوط المصاحف الأولى.
وقال حنش : نقرأ في المصادر والأدبيات التراثية لعلم المصحف الشريف كلاماً حازماً ومتواتراً عن أسلوب في التدوين أو طريقة كتابية كانت شائعة عند العرب فيما قبل الإسلام وبعده؛ يطلق عليها اسم: المشق الذي يكاد معناه ينحصر في سرعة أداء الكتابة وسهولتها في هذا الخط، ومن خط الجزم هذا ظهرت خطوط المصاحف الأولى: المكي والمدني والبصري والكوفي التي كانت متماثلة في الشكل الثقافي والصورة الخطية المتمثلة بشكل واضح وأكيد في الخط المدني الذي كتبت به نسخ المصحف الإمام الأولى.
وأضاف أن الخط المدني أصبح معيارًا لأصل الخط العربي وأصالته التي ارتبطت بها أنواع الخط السابقة كالجزم، والمشق، والمكي، وأنواع الخط المعاصرة له كالبصري والكوفي وغيرهما، وأنواع الخط اللاحقة له كالجليل، والطومار وغيرهما من الخطوط الأصلية الموزونة، ومشتقاتها الفنية النوعية التي صارت تستخدم وظيفياً في الكتابة الديوانية والوراقة والولايات العامة والأعمال الخاصة حتى القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي) تقريباً.
وأشار إلى أن الخط المدني يمتاز بصفات جمالية وخصائص فنية معينة؛ أبرزها: استطالة الامتدادات الأفقية للحروف، وضيق ما بين سطور الكتابة المتتابعة، وقصر حروفها الصاعدة، وتداخل بعض الحروف في بعضها الآخر، وتركيب بعضها على بعض أحياناً، ولكل هذه الخصائص الجمالية والفنية والوظيفية دورها الواضح في جعل بعض فقهاء اللغة والكتابة والخط يطلق عليه اسم: الخط الكوفي الأول، بعض الباحثين المعاصرين يطلق عليه أسماء عدة منها: الكوفي القديم أو البسيط (غير المزخرف)، أو خط المشق المصحفي، أو الخط الكوفي المشق، أو مشق المصاحف.
وأكد الدكتور إدهام حنش أن هذه الأهمية التاريخية الكبيرة والتميز الفني الرائع للخط المدني يدعو إلى ضرورة إعادة الاعتبار المعرفي لفن الخط المدني، وذلك من خلال الاهتمام بتأصيله ثقافياً، والعناية بإحيائه فنياً عبر العديد من الفعاليات العلمية والفنية، والبرامج التعليمية والتطويرية التي يمكن أن تتبناها أو ترعاها المؤسسات الرسمية والمجتمعية ذات الصلة بإحياء الخط المدني.
وكان مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة قد أطلق مؤخرًا مشروع «المعالجة الرقمية وتنفيذ التحسينات الجمالية المقترحة على خطّ مصحف المدينة النبوية برواية حفص» الذي يهدف إلى معالجة خط مصحف المدينة النبوية الذي تم طباعته عام 1422ه، من أجل إنتاج خط عالي الجودة بمعالجة وتحسين منحنيات الأجزاء الدقيقة للرسم العثماني المستخدم في الخط المكتوب باليد، عبر برامج حاسوبية متقدمة معدة لهذا الغرض، وتحسين جودة الزخرفة في علامات الأجزاء، والأحزاب، وعلامات الأرقام المستخدمة في الخط، مما يساعد على إظهار الخط اليدوي بجودة عالية.
وحول تحول كتابة الخط المدني إلى كتابة رقمية، قال المختص في الطباعة الرقمية سليمان بن عبدالله الميمان، إن الخط المدني هو أساس ومصدر إلهام جميع الخطوط المتعارف عليها اليوم من النسخ والرقعة والثلث والديواني، ويصح أن يقال: إن كل الخطوط العثمانية عالة على الخط المدني، وتقوم فكرة المشروع على إحياء هذا الخط وحوسبته ومحاكاة الخط المصحفي القديم رقمياً على الحواسيب.
وقال الميمان : إنه يعمل مع دارة الملك عبدالعزيز على تنفيذ (مشروع الخط المدني المحوسب) الذي يهدف إلى إحياء تقاليد الخط المصحفي المدني وجماليته وإتاحتها للطباعة الإلكترونية ومواءمتها لتقنيات عصر الأجهزة الذكية وإتاحتها للعموم، مبينًا أن المشروع يقوم على دراسة وتحليل دقيق للحروف الأبجدية في المصاحف القديمة المكتوبة بالخط المدني، وهو على نوعين أو عائلتين من الخطوط، النوع الأول يحافظ على شكل الخط اليدوي في المصاحف القديمة طبق الأصل، ويصلح لكتابة العناوين الرئيسة، وعناوين أغلفة الكتب واللوحات القرآنية وغيرها، والنوع الثاني هو الخط المدني المعاصر، وهو يأخذ نهج الخط المصحفي المدني القديم ولكن بروح عصرية مخصص لكتابة الرسائل والكتب وتحريرها وذا مقروئية عالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.