درج الناس على أن يقولوا عند الغضب «ما جعل الله لرجل من عقلين» مشتقة من الآية الكريمة «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه». ولعل كثير من اشتقاقات الأمثال والعبارات التي نستخدمها في حياتنا اليومية وفي حواراتنا مصدرها الآيات الكريمة من كتاب الله الكريم، كلمات وجمل فصيحة ننهلها من معين القرآن فنرددها في سياق حديثنا دون أن نتنبه لها، بل إن كثيرا من الشعراء يستخدمون بعض العبارات القرآنية في أبياتهم !! لكن السؤال المطروح هل يعد تبديل كلمات القرآن حسب الحدث والموقف يدللان على فصاحة اللغة وقوة معانيها، خصوصا أنها لا تغير معنى الآية أم أنها تدخل في باب تحريف كلام الله والتبديل الصريح لآيات القرآن ؟! وما رؤية علماء الشرع واللغة لهذه القضية ؟! وهل هناك ضوابط شرعية ولغوية لذلك ؟! أسئلة طرحتها «عكاظ» على المختصين في الشريعة واللغة، فكانت إجاباتهم على النحو التالي: شروط عدة أوضح أستاذ العقيدة في جامعة الملك سعود الدكتور خالد القاسم، أن تغيير بعض كلمات الآيات لتكوين أمثال قوية بين الناس لا بأس به، وأضاف: «لابد أن يتم ذلك وفق شروط عدة، فإن كانت الأمثال مسببة حدوث إشكال ولبس بين المسلمين كالاعتقاد أن المثل الوارد إنما هو آية، فلابد من التوقف هنا وعدم الاستمرار في هذا الطريق»، وعزا أسباب منعه لهذه الطريقة التي تسبب اللبس حتى لا يخلط البعض بين كتاب الله والمثل، وبالتالي لو حدث الاستهزاء بالمثل لظن بعض المستمعين انه استهزاء بالقرآن، وهذا خطر عظيم، وبين القاسم أن ابتعاد الإنسان عن الأمثال المستقية من القرآن الكريم هو الأفضل، قائلا الاستدلال بنص الآية الصريحة كقوله تعالى «ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد»، ادعى لسلامة الآية وترسخها في أذهان الناس، وأفاد القاسم أن طريقة استبدال الكلمات يمكن استخدامها على الأوزان الشعرية والتغيير فيها كيفما شاء الإنسان بدلا من استخدام ذلك في كتاب الله. غير جائز ورفض الأمين العام للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة الدكتور عبد الله المصلح تحويل الآيات القرآنية لأمثال شعبية بقوله: «كتاب الله لا يصح تحويله لمثل شعبي بتبديل بعض كلماته فيصبح ملاكا بالألسن، وإنما يستشهد به في مواضع بيان الحق وتجلية الإفهام وإقامة الأحكام وتبصير الأمة بالطريقة التي تصل إلى الله سبحانه، «مبينا عدم جواز تغيير كلام الله باستبدال الكلمات وذلك حتى يتوافق مع الخلق، وإنما ينبغي أن تكون الآيات كما أرادها الخالق نصا ومعنى»، وذكر أن الاقتباس من القرآن الكريم بشروطه المشروعة والمنضبطة لأجل بيان الحكم أو الإرشاد لا بأس به، خاصة إذا كان المقصد الاستفادة من توجيهه سبحانه. وعزا المصلح أسباب منع تبديل بعض الكلمات لئلا تصبح الآيات مجالا للتندر والتفكه أو السخرية، ذاكرا بعض الواجبات الشرعية في كتاب الله منها الإيمان بكتابه، إضافة الأدب مع كلامه خصوصا أن في ذلك تأدب معه سبحانه، ولفت المصلح إلى أن كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لذا وجب علو شأنه ورفع مكانته فهو كتاب عقيدة وشريعة نستقي منه الآداب والأخلاق وتنظيم شؤون الحياة. التبديل مفيد وراى رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور سعيد المالكي، جواز تبديل بعض كلمات القرآن لما تحويه من تقوية للغة على ألا يكون التبديل سببا في لبس بعض الآيات، وقال: «الأفضل عدم لجوء الإنسان للآيات القرآنية، خاصة عند وجود البدائل كالشعر والنثر فيمكن التبديل في هذين الأخيرين»، وأوضح المالكي أن الضرر الناشئ من تبديل بعض كلمات الآيات اعتقاد البعض أن المثل آية قرآنية خاصة أن الجملة في سياقها العام آية صريحة لم يتغير منها سوى كلمة أو كلمتين، وأشار المالكي إلى مسألة أخرى انتشرت بين الناس كقيام البعض تغيير نص الآية رغم إرادته نفس المقصد والمعنى تماما كقوله تعالى «وكفى الله المؤمنين القتال»، ولكنها استبدلت فأصبحت «وكفى الله المؤمنين شر القتال»، بإضافة كلمة الشر وهذا فيه ضرر كبير لترك أصل الآية، ولفت المالكي إلى أن القرآن تسبب في حركة فكرية كبيرة لدى العقل العربي فأصبح يستفيد منه مما جعل تأثر البعض به سببا لتغيير بعض كلمات الآيات لتكوين الأمثال القوية الموافقة للحدث، وشدد المالكي على أن استخدام الأمثال في الثقافة الإنسانية العامة ككل يعتمد على الأسلوب اللغوي السهل المختزل تجاربه منذ مئات السنين، مما جعلت الأمثال تخرج في سياق لطيف جميل، ولكن على ألا تصبح آيات القرآن الكريم مثلا من الأمثال العربية.