الحالة التي وصل إليها الوضع في سوريا مؤخراً تؤكد مجموعة من الحقائق المَّرة، وأملاً في تلمس تلك الحقائق وتحليلها بشيء من الأسلوب العملي والمنطقي قد يكون من المستحسن تناولها على مستويات ثلاثة، المستوى الأول: الداخل السوري بمكوناته الرئيسة وتتمثل في الثوار، أو الجيش الحر والقوات النظامية والسلطة السياسية بقيادة بشار الأسد، هذه المكونات يوضح تقاطع العلاقة بينها حقيقة مؤداها أن الكل يحارب الكل وان الحرب الأهلية السورية التي كان البعض يحذر منها تجاوزتها الأحداث وان خراب ودمار البلاد بمكونها البشري والحضاري والاقتصادي أصبح حقيقة ملموسة. هذه الصورة قابلة لأن تصبح أكثر قتامة خلال الأيام المقبلة بما يعني ازدياد حجم القتل والدمار، وانتشار مساحة العنف المسلح لتطال بعض البلدان المجاورة، إما نتيجة طبيعية للحالة العامة من عدم الاستقرار التي تسود المنطقة ، أو جراء أعمال انتقامية قد يقدم عليها النظام أسوة بما فعل في الداخل حين عمَد إلى السؤال الذي يرى بعض المختصين أنه لم يعد من الممكن الحصول على إجابة مناسبة له هو : هل يمكن أن يكون هناك حوار بين الأطراف السورية العسكرية والمدنية ؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك الحوار إلى نتيجة ايجابية سلمية تضمن وقف نزيف الدم السوري ووقف الدمار التي تتعرض له البلاد؟ قصف المدن السورية ببراميل المتفجرات وبالطائرات وبصواريخ سكود. المستوى الثاني: الإقليم وبلدان الجوار ذات التأثير المباشر تقليدياً في الشأن السوري وهذه المنظومة يضاف إليها الجهد الدولي ممثلا في تحرك الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجموعة أصدقاء الشعب السوري وصلت إلى مرحلة أصبح معها التحرك الإيجابي والمؤثر الذي يعني القدرة على وقف الدمار والقتل في سوريا متعذرا تقريباً، وانصرف جزء كبير من جهد هذه المجموعة مؤخراً إلى معالجة الآثار فقط، كتأمين حدود بلدان الجوار والتقليل من انتقال مظاهر الصراع خارج الحدود السورية أو حل مشاكل لجوء السوريين. مجموعة المستوى الثاني يبدو أن أوراق حل المعضلة السورية بدأت تتضاءل لديها ويكفي أن نعرف أن بلدا مثل تركيا - وهي التي تمتلك ميزات نسبية للتأثير في سوريا نظرا للاعتبارات الجيوسياسية - تلقت مساعدة من الاتحاد الأوروبي لنصب صواريخ باتريوت المضادة لصواريخ سكود وهذا ليس شيئا معيبا للجانب التركي، لكن اختزال الدور التركي في مسائل اللجوء يعد مؤشرا على تراجع القوة المتوقعة لهذا العنصر قبل عامين. المستوى الثالث في هذا التحليل هو : القوى الدولية وانعكاسات تقاطع مصالحها على إمكانية إيجاد حل للمشكلة السورية، وفي هذا الجانب أوضحت الأيام أن تصلب مواقف روسيا خلال الأشهر الماضية لم يكن عنادا من أجل العناد كما كان يَعتقِد البعض بقدر ما هو دفاع عن مصالح حقيقية لم يعد هناك شك في أن الجانبين الأمريكي والأوروبي مقتنعان بجديتها حتى وإن كان هناك بعض المكابرة السياسية من جانب أمريكا وأوروبا. روسيا تُسلح النظام السوري بعلم الجميع، وروسيا في ذات الوقت استطاعت أن تفرض الصيغة العامة لرؤيتها لما تعتقد انه الحل وأقصد بذلك الحوار، والسؤال الذي يرى بعض المختصين أنه لم يعد من الممكن الحصول على إجابة مناسبة له هو : هل يمكن أن يكون هناك حوار بين الأطراف السورية العسكرية والمدنية ؟ وهل يمكن أن يؤدي ذلك الحوار إلى نتيجة ايجابية سلمية تضمن وقف نزيف الدم السوري ووقف الدمار التي تتعرض له البلاد؟ في أغلب التقديرات أن زمن الحوار ومناسبته قد أضاعتها الأطراف السورية في بداية الأزمة، وما يُروج له اليوم حتى وإن كان بواجهة سورية فهو خيار أطراف غير سورية بالتأكيد. ترى هذه الأطراف لتحقيق مصالحها الإستراتيجية تكييف الوضع في سوريا عبر خيار الحوار الذي - وإن كان آخر العلاج - فمن المؤكد أنه لن يحقق الشفاء التام للجسد السوري الذي اقترب من التَحلُل. تويتر: @salemalyami