ثماني سنوات تربع فيها الرئيس "أوباما" على عرش الولاياتالمتحدة الأميركية، وقعت أثناءها أحداث ثقال وصراعات دامية طالت الكثير من أرجاء الأرض، وكان للعرب والمسلمين منها النصيب الأوفى، كما كان لأميركا فيها موقف سلبي مائع غير مفهوم، زاد من تأجيج تلك الصراعات، ومنح المعسكر التقليدي المناوئ فرصة العودة بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط، والتمدد المؤثر فيها بما يفوق أحلام ذاك المعسكر. ثم ها هو العالم يقف في اللحظة الراهنة على أطراف أصابع قدميه، لاستشراف ما يترتب على وصول "دونالد ترامب" إلى سدة الحكم خلفاً لسلفه في الولاياتالمتحدة، ويترقب بكثير من الحذر ما يمكن أن يصدر عنه من قرارات مؤثرة على الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لا في أميركا فحسب بل في دول العالم، لا سيما مناطق الصراع باعتبار أميركا شئنا أم أبينا لا تزال هي القطب المؤثر في مجريات الأمور عالمياً، بعد تفكيك كيان القطب الآخر منذ نهايات القرن الماضي. والسؤال المطروح الآن: ماذا عن دولنا في مجلس التعاون الخليجي، واستعدادها لمواجهة القابل الغامض؟! يبدو للمتأمل أن هذه الدول استيقظت في وقت يواكب دوي هذا الحدث، فترسخت قناعتها بأنه "ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك"، وباتت على قناعة بقول الشاعر الحكيم: تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت آحادا ولا شك أن الاجتماع الأول لهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لمجلس دول الخليج وما تم على أرض البحرين من فعاليات التمرين الخليجي المشترك (أمن الخليج العربي الأول) يمثلان انطلاق المسار الرشيد لتحقيق مصلحة هذه الدول، وهو المطلب الملح منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، واللبنة الأولى لتفعيل مطلب المملكة العربية السعودية بقيام اتحاد فاعل كامل بين دول الخليج، وكما قال سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إنه باتحاد دول الخليج ستكون القوة السادسة في العالم. نحن نعيش في عصر التكتلات، ولك أن تتصور مجلس التعاون الخليجي متحدا في توجهاته الاقتصادية والدفاعية والسياسية والأمنية؛ كيف سينظر العالم إلى هذه القوة الجديدة؟! لا شك أن دول الخليج سوف تجد لها مكانا مؤثرا، ومكانة يحسب لها ألف حساب، وبالتالي سوف تتغير سياسات الدول الكبرى تجاهها وأسلوب التعامل معها وصيغة الاتفاقيات التي تعقد مع كل دولة منفردة. إن هدف الغرب إذا قرأت عنه في سير بعض رؤسائه وسياسييه هو تفكيك العالم الإسلامي والعربي وخاصة دول الخليج والاستيلاء على منابع النفط، وبالطبع بدون الاتحاد الحقيقي الشامل لا يمكن الصمود أمام أطماع الغرب ومواجهة الدول الكبرى وبعض الدول الإقليمية التي تحيك وتدبر لنا المكائد، وطرق ابتزاز ثرواتنا وإغراقنا بالمخدرات، وترويج وسائل الانحلال الأخلاقي والبعد عن المنهج الإسلامي والتقاليد العربية الأصيلة التي نشأ عليها الآباء والأجداد. إنها خطوة كبرى وصحوة عظمى لتأخذ دولنا الخليجية مكانها اللائق المستحق تحت الشمس على هذه الأرض، والمأمول أن تتسارع الخطى ليكتمل هذا المشروع لصالح الأرض والإنسان، مستفيدة من المقومات التي تحظى بها دولنا الخليجية، وبذلك تتحقق مقولة الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة: (بناء الإنسان وتنمية المكان) في خليجنا الحبيب.