في عصر تتسارع فيه التقنيات الطبية وتتداخل فيه العلوم الهندسية، تتبلور شراكة فريدة بين الطبيب والمهندس تُعد حجر الأساس لمستقبل الرعاية الصحية، حيث تتضافر الخبرة البشرية مع الذكاء الاصطناعي لتقديم رعاية أكثر دقة وكفاءة. لم يعد الطبيب يعمل بمفرده، ولا المهندس بعيدًا عن الواقع السريري، بل نشأ تعاون معرفي متكامل يعيد رسم حدود الممارسة الطبية، ويجعل من البيانات مرجعًا لاتخاذ القرار الطبي بدلاً من الاعتماد على الخبرة المجردة. في عام 2024، أطلق نموذج Med-Gemini، الذي يجمع بين النصوص والصور الطبية والإشارات الحيوية، محققًا دقة تجاوزت 88 % في تشخيص الحالات المعقدة. وفي عام 2025، دخل نموذج GPT-4o من OpenAI إلى المجال الصحي ليستثمر إمكاناته في تحليل الحوارات السريرية وتلخيص السجلات الطبية في الزمن الحقيقي. كما ساهم CheXagent في قراءة صور الأشعة الصدرية، وBioGP-2 في تقديم خلاصات طبية قائمة على أحدث الأبحاث. هذه النماذج لا تعمل بمعزل عن الكوادر البشرية، بل تتطلب بيئة تكاملية تضم مهندسين لتصميم الخوارزميات، وأطباء لفهم وتفسير البيانات، وطاقمًا متعدد التخصصات يترجم المعرفة إلى حلول عملية. هذا التنسيق أصبح ضروريًا لتطوير أدوات تشخيص دقيقة ومقاربات علاجية فعالة، تضعالإنسان في قلب الاهتمام. عالميًا، بدأت جامعات رائدة في إنشاء برامج تعليمية تعزز هذا التكامل؛ ففي 2022، أطلقت جامعة طوكيو برنامجًا يجمع بين الهندسة والذكاء الاصطناعي الطبي، وفي 2021، أسست جامعة جونز هوبكنز برنامجًا لدمج الهندسة الطبية الحيوية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. أما جامعة لندن الإمبراطورية، فبادرت عام 2020 بطرح ماجستير متخصص في الذكاء الاصطناعي الطبي. هذه المبادرات تؤكد أن مهنة الطب لم تعد حكرًا على الأطباء، بل أصبحت مجالًا متعدد الأبعاد يفتح أبوابه للتخصصات المختلفة. محليًا، بدأت بعض الجامعات السعودية بخطوات مشجعة نحو تطوير برامج بينية تجمع التخصصات الطبية والهندسية وعلوم الحوسبة. ومع أن هذه المبادرات ما زالت في مراحلها الأولى، فإن دعمها وتوسيع نطاقها يشكل أولوية لبناء كوادر وطنية مؤهلة. ولمواكبة هذا التحول السريع، يمكن للجامعات إنشاء برامج أكاديمية متخصصة ومراكز بحثية تطبيقية بالتعاون مع القطاعين الصحي والتقني، إلى جانب تضمين مقررات مشتركة تكسر الحواجز بين التخصصات في المرحلة الجامعية. إن دعم هذا التكامل لا يُعد ترفًا، بل ضرورة لتأسيس نموذج صحي يعتمد على المعرفة الرقمية والتحليل المنهجي. ففي عالم تتقدم فيه التقنيات بسرعة غير مسبوقة، لم يعد تطوير الأدوات كافيًا، بل بات شرطًا أن نُعِد كوادر متخصصة تحقق التكامل بين العقول. وبناء بيئة مهنية مشتركة بين الطبيب والمهندس، يتشكل فيها مستقبل الرعاية الصحية أكثر دقة، وعمقًا، وإنسانية. *عضو مجلس الشورى