الدوران هو جزء لا يتجزأ من الطبيعة، يشكّل أساس العديد من الظواهر التي تحيط بنا، سواء في الكون الفسيح أو على كوكب الأرض، وحتى في تفاصيل حياتنا اليومية. من الفضاء الشاسع إلى أجسادنا الصغيرة، يبدو أن كل شيء يدور في منظومة متقنة تُظهر عظمة الخلق وقدرة الخالق. تدور الأرض حول محورها لتنتج الليل والنهار، وتدور حول الشمس لتشكّل الفصول الأربعة، هذا الدوران لا يتوقف عن إدهاشنا، فهو يساهم في توزيع الطاقة الشمسية بشكل متوازن على سطح الأرض، مما يخلق بيئة صالحة للحياة، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الظاهرة في قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}. ولا يقتصر الدوران على الأرض؛ فجميع الكواكب والنجوم تدور حول محاورها، كما أن بقية الكواكب الثمانية تدور حول الشمس في نظام دقيق. أما على الأرض، فتظهر دورة الماء في الطبيعة كأحد أبرز الأمثلة على الدوران، حيث يتبخر الماء ثم يعود على شكل أمطار، ليعيد الحياة إلى الأرض. حتى في حياة الطيور، نجد مفهوم الدوران حاضرًا؛ إذ تهاجر الطيور لمسافات طويلة ثم تعود إلى نفس المناطق للتكاثر، مكرّسة دورة حياتها السنوية. وعلى المستوى الإنساني، تسير حياتنا في دورة متصلة بين الولادة والنمو والموت. أما في أجسادنا، فتدور كل قطرة دم 50 مرة في الساعة، ويستمر تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الإنسان والنبات. الدوران ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل يمتد إلى عاداتنا وعباداتنا، كالطواف حول الكعبة الذي يتم عكس اتجاه عقارب الساعة، في تشابه جميل مع دوران الكواكب. وحتى في حياتنا اليومية، يعبر الشاعر مأمون الشناوي عن قانون الدوران بقوله: ودارت الأيام، ومرت الأيام، ما بين بعاد وخصام.. وأخيرًا، لا ننسى تلك الطرفة الشهيرة عن دورة كيس اللحم في الأضاحي بين الجيران، حيث يعود إليك بعد أن يمر على سبعة بيوت من الجيران، في إشارة لطيفة إلى مفهوم الدوران في حياتنا الاجتماعية. ويا "دارة دوري فينا"!.