قبل نحو عشرين عاماً وأكثر بقليل، كان هناك مقولة مفادها إن الأمية ليست أمية القراءة والكتابة، ولكن الأمية أمية الحاسوب والإنترنت، وكانت هذه المقولة تحظى بمصداقية عالية، نظراً لاتفاقها مع الواقع المعاش آنذاك. ولكنني أقول الآن إن الأمية لم تعد أمية قراءة وكتابة ولا حاسوب وإنترنت، بل إن الأمية في القرن الحادي والعشرين "أمية الذكاء الاصطناعي"، فمن لا يعرف استخدامات الذكاء الاصطناعي فهو أمي بالمفهوم الحديث علمياً وعملياً وتقنياً. يُوصم الذكاء الاصطناعي بأن له سلبيات منها تعطيل التفكير، لأنه يفكر بدلاً من الإنسان، كما يُوصم في الجانب التعليمي بأنه يقضي على مهارات الخط والإملاء والحفظ، وهذه الأقاويل مقبولة إلى حد ما في الوقت الراهن. لكنني أقول إن المستقبل ينبئ بغدٍ مبهر ومشرق للذكاء الاصطناعي ومستخدميه، وذلك لعدد من الأسباب أهمها ما يلي: أولاً: الكثير من الانتقادات السلبية الموجهة للذكاء الاصطناعي لم تفرق بين الذكاء الاصطناعي العام والذكاء الاصطناعي التوليدي، فالفرق بينهما كبير وشاسع، لأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يتفوق على الذكاء الاصطناعي العام، كونه يولد وينتج معرفة جديدة من المعرفة الموجودة أصلاً على شبكة الإنترنت، سواء كانت نصوص أو صور أو غيرها، وهذا بحد ذاته يتيح للطالب والباحث الحصول على كم معرفي هائل ويفتح له نوافذ معرفية جديدة لم تكن متاحة له في السابق. ثانياً: يُوجد تفوق مطلق للذكاء الاصطناعي على العقل البشري بكل المقاييس، والقادم مذهل، سواء في البحث وسرعة الحصول على المعلومة أو المقارنة أو الاستنباط والاستنتاج وتحليل سياق النص، فضلاً عن الكم المعلوماتي الهائل الذي يتاح لمستخدم الذكاء الاصطناعي مقارنةً بما يتوفر للباحث العادي من مصادر معلومات تقليدية. ثالثاً: التأثيرات السلبية التي يتحدث عنها البعض حالياً، لن تكون موجودة مستقبلاً، لأن أي تقنية في العالم تبدأ بسيطة ثم تتطور بشكل سريع جداً وتتلافى أخطائها السابقة، وهذا ما يحدث في التطورات السريعة والمفاجئة في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطورها الخارق. رابعاً: طالب المستقبل سوف يكون منسجماً ومتكيفاً مع الذكاء الاصطناعي، فلن يكون هناك حاجة لمهارات الخط والإملاء والحفظ، فجميع هذه المهارات سوف تكون شيئاً من الماضي بالنسبة لطلاب وجيل المستقبل، لأن المطلوب منهم مجاراة الذكاء الاصطناعي في التفكير وصياغة "أسئلة ذكية" لكي يحصلوا على إجابات أكثر عمقاً وفهماً وتركيزاً، وهي المهارة التي سوف تتفوق على جميع المهارات التقليدية لطلاب اليوم، وهذا بكل تأكيد سوف يفتح لطلاب المستقبل آفاق ومعارف ومهارات جديدة، لا يعرفها طلاب اليوم ولم تكن متاحة لهم، لأن الذكاء الاصطناعي سوف يملي ويحفظ ويكتب ويقوم بجميع الأدوار المطلوبة منه بأوامر من الطالب الذكي، الذي سوف يتعامل مع أداة تعليمية ذكية لن يجيد التعامل معها إلا الأذكياء، وهنا رسالة لكل من يساورهم القلق والشك حول طلاب المستقبل، أقول لهم اطمئنوا فسوف يكونون أذكى من طلاب اليوم، لأن الذكاء الاصطناعي يحتاج لطالب ذكي لكي يجاريه في التعامل ليحصل على أفضل ما لديه من مهارات ومعارف وعلوم. خامساً: ذكرت إحدى الإحصائيات على الإنترنت أن الذكاء الاصطناعي حالياً هو الأول على مستوى العالم في البحث عن المعلومة، وهو الأول على مستوى العالم في التسوق الإلكتروني، وهو الأول على العالم في مجالات ومناحٍ كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا، ولكنني ذكرتها فقط لإبراز أهمية دور الذكاء الاصطناعي وتفوقه المُطلق في كل المجالات وسيطرته التامة عليها، وحالياً يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على فهم مشاعر الإنسان المختلفة كالفرح والغضب والحزن، لكي يفكر وينتج بطريقة تتفوق على البشر، ولا أعتقد أن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً، والملاحظ لدى علماء الذكاء الاصطناعي أنه يتطور بسرعة كبيرة جداً، وهذا ينبئ بتطورات غير مسبوقة في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة. لا شك أننا مقبلون على أعتاب مرحلة جديدة، سوف تشكل مستقبل العالم في جميع المجالات التي لن يقودها إلا الذكاء الاصطناعي. ولذا فإنه يتوجب على جميع المسؤولين وأصحاب القرار كلٍ في مجاله، اغتنام هذه الفرصة الذهبية لإحداث نقلة نوعية تقود الوطن لمراكز القيادة والريادة على مستوى العالم في ظل رؤية المملكة 2030 بقيادة عرابها سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-. * أستاذ نظم الحكومة الإلكترونية والمعلوماتية بجامعة الملك سعود