كشفت الأحداث الأخيرة في محافظة السويداء السورية الوجه القبيح للكيان الصهيوني ومخططاته التوراتية لتقسيم سورية من خلال إثارة النعرات الطائفية والفئوية البغيضة. بعد نجاح القوات السورية الرسمية باستعادة الهدوء النسبي في المحافظة المضطربة، تدخل الطيران الإسرائيلي لضرب القوات السورية وقصف مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان السورية وقصف موقعًا قريبًا من القصر الجمهوري في دمشق، وكان الهدف الإسرائيلي المعلن من ذلك هو "حماية إخواننا الدروز"كما زعم رئيس حكومة تل أبيب. وهكذا فجأة أظهر هذا المجرم المطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية كم هو "رحيم" بالدروز الذين أصبحوا إخوانه فجأة، ليضيف بذلك كذبة أخرى إلى سجل كذباته التي لا تنتهي. وكشف نتنياهو أن الدفاع عن "إخوانه" الدروز لم يكن السبب الحقيقي لتدخله العسكري اللا أخلاقي في سورية، وإنما، كما قال، "أن تبقى المنطقة من الجولان إلى جبل العرب منزوعة السلاح" وذلك من أجل السماح لإسرائيل بالتدخل وتكريس احتلال هذه المنطقة الأمنية التي لو تحققت فإنها لن تنسحب منها، المستغرب أن العدوان الإسرائيلي جاء في الوقت الذي كان مفاوضون من سورية وإسرائيل يجرون محادثات في أذربيجان من أجل التوصل إلى تفاهمات أمنية وفي وقت ترددت فيه تصريحات عن "الاتفاقيات الإبراهيمية" والتطبيع مع دولة الاحتلال. والسبب، كما يعتقد المراقبون، أن نتنياهو وجد في أحداث السويداء فرصة للتوسع، بحسب ما رشح عن مباحثاته مع المسؤولين الأميركيين في زيارته الأخيرة لواشنطن عندما لم يجد لديهم حماسًا بمعاودة مهاجمة إيران، فاستعاض عن ذلك بمهاجمة سورية، وفي الوقت الذي يعاني فيه من ضغوطات سياسية وشعبية واقتصادية داخلية، وانتشار صورة إسرائيل في العالم كقاتلة للأطفال، وتزايد حملات المقاطعة وبيع الأسلحة كما أعلنت مجموعة لاهاي في كولومبيا يوم الخميس، لجأ إلى مهاجمة سورية ليظل، كما يتوهم، "البطل اليهودي الذي لا يقهر!" هذا الارتهان لعدو محتل وهذا السلوك الوحشي الإسرائيلي لفرض أمر واقع على سورية ولبنان وفلسطين لا يمكن أن تقبل به القيادة السعودية التي تؤكد دائمًا على ثوابتها الوطنية والقومية والإسلامية والقرارات الدولية بأن السلام العادل لا يمكن أن يتحقق من دون انصياع الحكومة الإسرائيلية للشرعية الدولية وبأن الأمن والاستقرار والتنمية لا تتحقق من خلال فوهات المدافع والطائرات الحربية وبأن الأمن لا يكون انتقائيًا بحيث تتمتع به دولة الاحتلال لوحدها وتنكره على الدول العربية. ومن هذا المنطلق، لا تتوقف الدبلوماسية السعودية عن تحريك المياه الراكدة على الساحة الدولية وحث دول العالم على تحمل مسؤولياتها في ردع هذا التغول والغطرسة الإسرائيلية، ولهذا كانت من أوائل من أدان العدوان الإسرائيلي الأخير على سورية، كما بادر وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بالتواصل مع نظيره التركي لتنسيق الجهود من أجل وقف هذا العدوان، وهو ما أشار إليه الرئيس السوري أحمد الشرع بأن وقف إطلاق النار جاء بناء على تدخل عربي وأميركي وتركي. واعترافًا بما قامت به قيادة المملكة من جهود لحشد الاعتراف الدولي بالحكومة السورية ورفع العقوبات عنها وترتيب لقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الشرع، هاتف الرئيس السوري سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان أمس لاطلاعه على تطورات الأوضاع. وقد أكد سموه على موقف المملكة الثابت في مساندة سورية والوقوف إلى جانبها ورفض أي عمل يمس السلم الأهلي والاجتماعي جملة وتفصيلًا. وثمّن سموه الجهود التي يبذلها الرئيس الشرع لاستمرار سورية في مسارها الصحيح الذي يكفل المحافظة على وحدة سورية وسلامة أراضيها وتعزيز وحدتها الوطنية وتكاتف جميع أطياف الشعب السوري الشقيق وتلاحمه وعدم السماح لأي بوادر فتنة تهدف إلى زعزعة أمنه. وجدد سموه موقف المملكة المُعلن في إدانة الاعتداءات الإسرائيلية السافرة على الأراضي السورية والتدخل في شؤونها الداخلية. هذا الموقف من القيادة السعودية يبعث برسائل واضحة للمعنيين بأن دولة الاحتلال لن تكون طليقة في التحكم بمصير هذا المنطقة المهمة في العالم وبأن المملكة سوف تعمل على إفشال هذا المخططات الاستعمارية المحكومة بأوهام توراتية، وفي هذا السياق أيضًا تواصلت مساعي الدبلوماسية السعودية بالبيان الذي أصدره وزير خارجيتنا ووزراء خارجية دول الخليج والأردن ولبنان ومصر وتركيا الذي أكد على وحدة سورية واستقرارها وسيادتها وأدان الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على هذا البلد العربي. المملكة ترمي بثقلها السياسي والاقتصادي في وجه دولة الاحتلال وتحرج داعميها وماضية في تضييق الخناق على دولة الاحتلال وهي ماضية في تنظيم المؤتمر العالمي لحل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين بمشاركة فرنسا في أواخر الشهر الجاري والدعوات لنجاح هذا المؤتمر ولمبادرة حل الدولتين التي أخذت تلقى قبولاً واسعًا من دول العالم.