عندما يواجه الإنسان مأساة كبرى، كوفاة شريك رومانسي، أو خسارة عمل بعد سنوات من الالتزام، أو تلقي تشخيص صحي نهائي، غالبًا ما ينبثق سؤال وجودي ملح: ما الهدف من العيش؟ يجيب الفيلسوف الياباني ماساهيرو موريوكا، أستاذ الفلسفة في جامعة واسيدا، بأن الإجابة لا تكمن في الحدث نفسه، بل في طريقة استجابة الفرد له. في دراسته الجديدة، قدّم ما يسميه «نموذج الجغرافيا الذاتية للمعنى»، والذي يُظهر أن الحدث ذاته يمكن أن يولّد إمّا شعورًا بالغرض أو فراغًا مطلقًا، بحسب الموقف العقلي والنفسي الذي يتبناه الإنسان لحظة مواجهته للأزمة. دعوة من الحياة لا يرى موريوكا الأزمات كحوادث تقع للناس فحسب، بل كدعوات لاستجابة نشطة. فحين يواجه الفرد معاناة مثل الإدمان أو الفقد، يرى الفيلسوف أن الحياة «تلتمس» منه رد فعل معين. قد يقوده الألم إلى طريق الاستسلام والانسحاب، أو إلى طريق آخر يُنتج التعافي والأمل. والمفارقة أن الظروف الخارجية تبقى كما هي، لكن التجربة الشعورية تختلف كليًا تبعًا للرد المختار. الموقف يصنع التجربة يشبّه موريوكا هذا التحوّل بالوقوف على قمة جبل؛ فبمجرد تغيير الاتجاه، قد يرى الإنسان شروق الشمس أو عاصفة سوداء، رغم ثبات الموقع. من يفقد شريكه، مثلًا، قد يتبنّى موقف الاحتمال والتماسك، فيُنتج ذلك شعورًا تدريجيًا بالمرونة والقدرة على الحياة. أما إذا تبنى موقف الاستسلام، فقد يصبح الحزن دليلاً على عبثية الوجود. الفرق ليس في الموت ذاته، بل في زاوية النظر. خرائط داخلية متغيرة يسمّي موريوكا هذه التحولات ب«الجغرافيا الذاتية»، حيث يتنقل الإنسان داخليًا بين خرائط شعورية ومعرفية تصنع تجارب المعنى. بهذا المعنى، لا يكون المعنى شيئًا خارجيًا نكتشفه، بل تجربة داخلية نصنعها باستجاباتنا المتغيرة. الوعي بهذا التنقّل يمكن أن يمنح الإنسان قدرة استثنائية على التعامل مع الألم، وتحويله إلى معنى. تحدي الرؤية التقليدية على عكس الفلاسفة الذين ربطوا المعنى بتحقيق الإنجازات أو خدمة الآخرين، يذهب موريوكا إلى أبعد من ذلك عبر التركيز على التجربة الشخصية للمعنى دون الحاجة إلى معيار خارجي للحكم. فالمعنى، بحسبه، لا يتحقق بالنجاح ولا بالواجب الأخلاقي، بل عبر الانخراط النشط في الحياة نفسها. ويستند في ذلك إلى مفهوم «القدرة على التحمل» في علم الإدراك، والذي يرى أن المواقف تتيح إمكانيات مختلفة، والمسؤولية تقع على عاتق الشخص لاختيار استجابته. قوة الاختيار الواعي يفتح هذا النموذج بابًا جديدًا لفهم التحديات: فبدلاً من انتظار المعنى أو البحث عنه في الخارج، يمكن للفرد أن يخلقه داخليًا من خلال التفاعل الواعي مع معاناته. قد يعيش شخص ما حياة ناجحة ظاهريًا وهو يشعر بالفراغ، بينما يجد آخر غارق في الألم معنى عميقًا بفضل استجابته. المفتاح لا يكمن في الظروف، بل في الاختيار الواعي لكيفية العيش داخل تلك الظروف. نموذج واقعي ومرن يعترف موريوكا بأن نموذجه لا ينطبق على الجميع؛ فهو يفترض وجود لحظة تشكيك حقيقية بقيمة الحياة. لكن في عالم يعاني فيه كثيرون من الفراغ الوجودي، فإن هذا النموذج يمنح الأمل والمسؤولية معًا. فالمعنى لا يُنتظر، بل يُصنع، والقدرة على تحويل الألم إلى غرض ليست في تغيير الواقع، بل في تغيير نظرتنا إليه. - يجادل نموذج فلسفي جديد بأن معنى الحياة يعتمد على كيفية اختيارنا للاستجابة للأزمات، وليس الأزمات نفسها. - يظهر المعنى من خلال «حوار» داخلي مع الحياة، وهي عملية تسميها موريوكا التماس الحياة. - يمكن للناس تجربة نفس الحدث مثل الأمل أو الذي لا معنى له أو الغامض اعتمادا على عقليتهم والتزامهم. - يرسم هذا «النموذج الجغرافي للمعنى» أهمية الحياة كمشهد متغير يتشكل من المنظور والعمل.