في مرحلة فارقة يعاد فيها تشكيل النظام الدولي، وتتسارع فيها المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ والاقتصاد والأمن، جاءت الزيارة التاريخية لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه- إلى الولاياتالمتحدة لتؤكد أن السعودية اليوم ليست طرفًا يُستدعى.. بل طرفًا يُعاد ترتيب التوازنات على أساسه. الاستقبال المهيب في واشنطن لم يكن مجرد بروتوكول، بل اعتراف صريح من الإدارة الأمريكية والكونغرس بأن السعودية أصبحت ركنًا ثابتًا في معادلات الطاقة، وتعقيدات الملف النووي الإيراني، وملفات الحلول الإقليمية التي تتقاطع فيها مصالح الشرق والغرب. وقد لخّص أحد السفراء هذه الحقيقة حين قال: «السعودية تقول في العلن ما تقوله في الغرف المغلقة». وهو ما يعكسه تصريح ولي العهد الواضح: «نحن لا نبحث عن رضا ترامب أو أمريكا.. نحن نبحث عن مصلحتنا». هذا الوضوح كان حاضرًا أيضًا في لحظة اللقاء بين ولي العهد والرئيس بايدن.. فعلى الرغم من الفتور الذي شاب العلاقات في الفترة الماضية، حملت قبضة اليد المقتضبة رسائل ندّية واحترام. وأكدت أن العلاقة بين البلدين باتت علاقة شراكة لا تبعية، وأن واشنطن تتعامل اليوم مع قائد يعرف جيدًا وزن بلاده. وفي قلب الملفات المطروحة، طرح سموّ ولي العهد مبادرة رفع العقوبات عن سورية، في خطوة تعبّر عن رغبة سعودية صادقة لفتح مسار اقتصادي وسياسي جديد للشعب السوري، وإعادة دمج دمشق في محيطها العربي، وإسقاط عبء العقوبات التي أثقلت حياة السوريين لسنوات طويلة. وقد استقبلت القيادة السورية هذا التوجه بارتياح كبير، مدركة أن البوابة الإقليمية والدولية لأي انفراج حقيقي تمر عبر الرياض. ثم جاء الملف السوداني الذي أنهك الخرطوم وأرهق شعبها، فطُرح أمام سموّه بوضوح، وقدّم رؤية لاقت ترحيبًا واسعًا من الداخل السوداني، باعتبارها خطوة تعيد الأمل وتفتح بابًا واقعيًا للحل. وفي سياق يعكس استقلال القرار السعودي، جاءت صفقة مقاتلات (F-35)، لتسجل نجاحًا كبيرًا يرفع من قدرات سلاح الجو السعودي، ويعزز مكانة المملكة العسكرية والدبلوماسية. القوة السعودية الحديثة ليست في السلاح وحده، بل في جمع المواقف الدولية وصياغة التحالفات وفتح مسارات الحل في أصعب الملفات. هذه ليست دبلوماسية هادئة.. إنها قيادة تُعيد تشكيل الشرق الأوسط، وتفرض احترامها على العالم. لقد أثبتت هذه الزيارة أن ولي العهد ليس قائدًا سعوديًا فحسب، بل فاعل دولي تُبنى حوله السياسات، وتتحرك معه الملفات نحو الحل. زيارة تاريخية.. أكدت أن السعودية في قلب القرار، وأن محمد بن سلمان هو الرقم الذي لا يمكن تجاوزه في الشرق والغرب.