«ضمان الجودة» إطار منهجي يهدف إلى التأكد من أن المنتج أو الخدمة تلبي المتطلبات، وتحقق توقعات المستفيدين. ويركز هذا الإطار على تصميم العمليات والتحكّم بها وتحسينها، بحيث تمنع الأخطاء قبل حدوثها، بدلاً من الاقتصار على كشفها فيما بعد. ويتطلب ذلك سياسات واضحة وإجراءات موثَّقة وأدوات تحليلية وتنسيق فعال بين الجهات ذات العلاقة المختلفة داخل المؤسسة وخارجها، لضمان المخرجات. وينطلق ضمان الجودة من مبادئ رئيسة، منها توجيه الأنشطة نحو تحسين تصميم العمليات عوضا عن التركيز فقط على النتائج، والاعتماد على تحليل المخاطر، لإعطاء أسبقية للعوامل الأكثر تأثيرا في الجودة، والسعي المستمر للتحسين القائم على بيانات موضوعية. وتهدف منظومة ضمان الجودة إلى منع العيوب، وتحقيق اتساق في الأداء، وتقليل نفقات إعادة العمل والتعويضات، وتعزيز ثقة العملاء والجهات الرقابية. كما تسعى للامتثال للمعايير المعتمدة في القطاع، وتكييف الممارسات وفق متطلبات السوق واللوائح ذات الصلة. وتشمل أنشطة ضمان الجودة التخطيط الشامل عبر تحديد الأهداف ومعايير القبول وخطط التحكم لكل عملية حرجة، وتصميم العمليات، والتحقق من جاهزيتها قبل تطبيقها على نطاق واسع. وتضمن «إدارة المستندات والملفات ونظام الوثائق» فيها توفير نسخ معتمدة من الإجراءات التشغيلية والتعليمات في موقع التنفيذ، لضمان توحيد الممارسات، بداية من أدوات التحليل للأخطاء أو الفشل وتأثيرها، لتحديد المخاطر وإعطائها أولوية، والرقابة الإحصائية لمراقبة الانحرافات والاتجاهات، ومنع تحولها إلى عيوب. وتُستخدم تقنيات تحليل الإحصائي، مثل أسلوب قياس التكرارات ورسم مخططات الأسباب، لتتبع مصادر المشكلات، وتحديد نقاط الضعف الحقيقية. وتسهم خطط التحكم وقوائم الفحص في تطبيق المعايير يوميًّا، بينما تقيس دراسات قدرة العملية مدى ملاءمة الأداء المواصفات المطلوبة. والقياس جزء أساسي من نظام ضمان الجودة. ومن مؤشرات الأداء المهمة نسبة الوحدات المقبولة من المحاولة الأولى التي تعكس كفاءة العملية دون الحاجة إلى إعادة عمل، ومعدل العيوب من إجمالي الوحدات المفحوصة، الذي يساعد على تقييم جودة الإنتاج، ومؤشرات قدرة العملية التي تبين مدى استقرار ودقّة العملية مقارنة بحدود المواصفات. وتُستخدم مؤشرات زمنية لقياس استجابة إجراءات التصحيح والوقاية، وتشمل زمن الاحتواء، وزمن تحليل السبب الجذري، وزمن تحقق الفعالية بعد التطبيق. في حين يساعد وضع أهداف واضحة قابلة للقياس في توجيه الجهود، وقياس التحسّن بصورة عملية وواقعية. فلنفترض أن مؤسسة تعليمية كبرى تقدم خدمات تعليمية لاحظت الإدارة فيها أن مستوى رضا المستفيدين وجودة البرامج المقدمة متدنٍ، فقررت تطبيق نظام شامل لضمان الجودة في خدماتها التعليمية بالبروتوكول الذي يبدأ من تشخيص الوضع الحالي، ومن خلال جمع بيانات من استبيانات رضا الطلاب وأولياء الأمور، ومراجعة تقارير الأداء السابقة، وملاحظات فرق التدريس والإرشاد، وتحديد أبرز نقاط القوة والضعف في الخدمات المقدمة، وجمع بيانات من استبيانات رضا المستفيدين، ومراجعة تقارير الأداء السابقة، ورصد الملاحظات المتكررة حول جودة المحتوى أو أسلوب تقديم الخدمة. ثانيا تحديد معايير الجودة، لتكون واضحة لجودة الخدمة التعليمية، مثل وضوح المعلومات، وسهولة الوصول، وسرعة الاستجابة، وملاءمة المحتوى لاحتياجات المستفيدين، واعتماد مؤشرات أداء لقياس مستوى الرضا والتحصيل. ثالثا تصميم خطة تحسين وتطوير برامج تدريبية للكوادر التعليمية والإدارية، لرفع كفاءتهم، وتحديث المواد التعليمية والخدمات المساندة بما يتناسب مع احتياجات الطلاب وسوق العمل، وتحسين قنوات التواصل مع المستفيدين عبر منصات إلكترونية وخدمات دعم مباشرة. رابعا التنفيذ والمتابعة بتطبيق الخطة على مراحل، مع مراقبة النتائج بشكل دوري، وإجراء زيارات إشرافية لمراكز التدريب والفصول الافتراضية، واستخدام أدوات تقييم مستمرة، مثل الاختبارات القصيرة والمقابلات. خامسا وأخيرا التقييم والتطوير المستمر، وعقد اجتماعات دورية، لمراجعة مؤشرات الأداء، وفتح قنوات ملاحظات مباشرة مع الطلاب وأولياء الأمور، وإدخال تعديلات على البرامج والخدمات بناءً على النتائج. بهذا المثال العام يتضح أن ضمان الجودة في الخدمات التعليمية لا يقتصر على المناهج أو أداء المعلمين فقط، بل يشمل جميع عناصر الخدمة: المحتوى، وأسلوب التقديم، وبيئة التعلم، وطرق التواصل مع المستفيدين. ضمان الجودة ليس مجموعة مستندات وفحوص فقط، بل هو إطار إستراتيجي وقائي يعزز القدرة التشغيلية، ويقلّل المخاطر، ويخفض التكاليف، ويحسّن رضا المستفيدين، ويتطلب نجاحه التزام القيادة وتعاون الأقسام المختلفة، ووجود بيانات موثوقة وتطبيق أدوات تحليل عملية. بالتركيز على الوقاية والتحسين المستمر يمكن للمؤسسات تحويل «ضمان الجودة» إلى ميزة تنافسية تدعم تقديم خدمات ومنتجات أكثر موثوقية واستدامة.