اتخذت السلطات الكينية إجراءات أمنية واسعة في مدينة كيسومو غرب البلاد، قبيل المراسم الأخيرة لتشييع جثمان رئيس الوزراء السابق رايلا أودينغا، الذي توفي الأربعاء في الهند عن عمر ناهز 80 عامًا. وجاءت هذه الإجراءات بعد مقتل خمسة أشخاص خلال جنازتين سابقتين، شهدتا أعمال عنف وتدافعًا بين المشيعين. استعدادات مكثفة انتشرت وحدات من الجيش والشرطة وفرق المراقبة الجوية في محيط ملعب كيسومو لكرة القدم، حيث احتشد الآلاف من أنصار أودينغا منذ الليلة السابقة انتظارا لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمانه. وشهدت الأجواء بعض الاضطرابات الطفيفة، إذ أصيب عدد من الأشخاص في شجار محدود، بينما أغمي على عشرات آخرين نتيجة الازدحام وارتفاع درجات الحرارة، إلا أن السلطات أكدت عدم وقوع حوادث أمنية كبرى. يُعد أودينغا من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ كينيا الحديث، إذ خاض خمسة سباقات رئاسية على مدى ثلاثة عقود دون أن يحقق الفوز، لكنه ظل رمزًا للمعارضة ونضال الديمقراطية. وقد أشاد به العديد من الزعماء الأفارقة والدوليين، بينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تقديرًا لدوره في ترسيخ التعددية الحزبية في البلاد. ومن المقرر أن يُوارى الثرى في منزله الريفي بمنطقة بوندو غرب كينيا. أعمال عنف منذ وصول جثمان أودينغا إلى نيروبي يوم الخميس، تحولت مراسم الوداع إلى مشاهد من الفوضى والعنف. وقد أطلقت الشرطة الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع في ملعب لكرة القدم خلال أول مشاهدة عامة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة آخرين. وفي اليوم التالي، أدى تدافع جماهيري بعد مغادرة كبار الشخصيات مكان إقامة الجنازة الرسمية إلى مقتل شخصين وإصابة أكثر من 160 آخرين، ما أثار موجة من الغضب الشعبي، والانتقادات الموجهة للسلطات الأمنية. دعوات للهدوء في خضم أجواء الحزن والتوتر، وجهت إيدا أودينغا، أرملة الزعيم الراحل، نداءً مؤثرًا دعت فيه الكينيين إلى التعبير عن حزنهم بسلام، قائلة إن أفضل تكريم لذكرى زوجها هو الحفاظ على الهدوء والوحدة. أما شقيقه أوبورو أودينغا فخاطب الحشود قائلاً: «لا ينبغي أن يُقتل رايلا بالغاز المسيل للدموع مرة أخرى. لقد عانى منه كثيرًا وهو على قيد الحياة، فلنحترم ذكراه، ولا نمنح الشرطة مبررًا لاستخدام القوة». إرث سياسي يُعتبر أودينغا من أكثر الساسة تأثيرًا في كينيا منذ عقود، إذ لعب دورًا محوريًا في التحول نحو الديمقراطية المتعددة الأحزاب. وعلى الرغم من إخفاقه في الوصول إلى الرئاسة، فإن تاريخه في المعارضة ورفضه الفساد منحاه احترامًا واسعًا في الداخل والخارج. مصالحة متأخرة على الرغم من سنوات الصراع السياسي، تمكن الرجلان من التوصل إلى اتفاق مصالحة في وقت سابق من هذا العام، بعد أشهر من الاحتجاجات التي قادتها المعارضة ضد الحكومة. وأدى الاتفاق إلى تعيين عدد من الشخصيات المعارضة في مناصب وزارية، في خطوة وُصفت بأنها محاولة لترميم الانقسام السياسي، وتعزيز الاستقرار الوطني.