يشير علم الاتصال السياسي إلى أن صورة الدولة في الخارج لم تعد تُبنى فقط عبر القنوات الدبلوماسية التقليدية، بل أصبحت تعتمد بشكل متزايد على قدرتها في توظيف الإعلام كأداة للتأثير والإقناع، ويصبح الإعلام أداة استراتيجية للدبلوماسية العامة، حيث تندمج الرسائل السياسية والثقافية والاجتماعية لتشكيل ما يُعرف بالقوة الناعمة، بما يعزز قدرة الدولة على الجذب والإقناع بعيدًا عن استعمال أدوات الضغط أو الإكراه. وتُظهر الدراسات الحديثة في العلاقات الدولية أن الانطباع الأول عن الدول غالبًا ما يُبنى من خلال ما تبثه وسائل الإعلام أكثر مما يُبنى عبر الخطاب السياسي الرسمي، ما يجعل الإعلام عنصرًا إستراتيجيًا لصناعة الانطباعات وإدارة صورة الدولة في أذهان الشعوب الأجنبية. تكتسب الدبلوماسية العامة بعدًا جديدًا من خلال الإعلام الرقمي، الذي يمكن الدولة من التواصل مباشرة مع الرأي العام العالمي، وباستخدام وسائل الإعلام المتعددة، يمكن للدولة عرض قيمها وثقافتها وإنجازاتها وسياساتها الخارجية بطريقة مؤثرة وجذابة، وهو ما يعزز قدرتها على التأثير في السياسات الدولية من خلال الرأي العام نفسه، كما أشار المفكر، جوزيف ناي، حين عرّف القوة الناعمة بأنها القدرة على الجذب والإقناع بدلًا من الإكراه. وتقدم السعودية مثالًا ناجحًا على توظيف الإعلام والدبلوماسية العامة، حيث استخدمت قنواتها الرسمية والمنصات الرقمية، مثل وزارة الخارجية باللغة الإنجليزية في منصة (x)، ووكالة الأنباء السعودية «واس» باللغة الإنجليزية على منصة (x)؛ لنقل رؤيتها الاقتصادية والاجتماعية والعلاقاتية إلى الجمهور عالمي. وساهم هذا التأثير في الاستثمار في الرياضة العالمية والمحلية، خاصة بعد التعاقد مع اللاعب كريستيانو رونالدو، حيث ساهم هذا التعاقد في رفع مستوى اهتمام الإعلام الرياضي العالمي، ونقل صورة إيجابية عن السعودية، إضافة إلى الرياضات الإلكترونية، ما عزز حضورها الإعلامي وتواصلها مع الجماهير الدولية، وتعكس هذه المبادرات نجاح رؤية 2030 في وضع إستراتيجية متكاملة تجمع الإعلام والثقافة والرياضة لتقوية صورة المملكة، وإبراز مكانتها العالمية. في نهاية المطاف، من الواضح أن الإعلام والدبلوماسية العامة يعملان معًا لتحقيق هدف مشترك، وهو بناء صورة إيجابية للدولة، وتعزيز مكانتها الدولية عبر أدوات القوة الناعمة. ومع استمرار ثورة المعلومات، فإن الدول التي تستثمر في الإعلام ضمن إستراتيجيتها الدبلوماسية تصبح أكثر قدرة على ترسيخ نفوذها وصورتها الدولية بشكل قوي ومؤثر.