يُحكى عن أشخاص يملكون ما يُسمّى بالحاسة السادسة. إحساسٌ استباقي يجعلهم يتوجسون الأحداث قبل وقوعها، وكثيرًا ما تُصَدّق الأيام حدسهم. في المجتمعات الشعبية يُطلق على مثل هؤلاء وصف «مغورّب»، وهي كلمة ترتبط في الذاكرة بالغراب، ذلك الطائر الذكي الذي ارتبط اسمه بالفأل والحدس، وبالفسق والشر أيضًا. بل هناك شائعة تقول إذا اصطدت غرابا وأكلت طفلا كبدته. وقبل أن يقذفها الغراب لأنه غالبًا ما يفعل ذلك، فإن الطفل يصبح حدسي جدًا، ولا يخفاكم أن أكل لحم الغراب من المحرمات بداهة. لكن مدلول المصطلح يتجاوز الطائر، ليغوص في عمق التصوّرات الدينية والشعبية. ففي الحديث الشريف ورد لفظ «المغرّبون» للدلالة على الأولاد الذين قد يشترك الجن في أمرهم إن غاب ذكر الله عند الجماع. وهو معنى يفتح بابًا لفهم العلاقة بين الغموض، والحدس، والبعد الخفي الذي يربط الإنسان بعالم غير منظور. ولعل دلالة المغرب - وقت غروب الشمس - تزيد من رمزية الاسم؛ فهي لحظة انتقال وضبابية، يصفها الناس بوقت هيجان الشياطين وكثرة حركتها. كما أن غروب الشمس نفسه يذكّر بعلامة كبرى من علامات الساعة حين تغرب الشمس من مغربها، إيذانًا بانقطاع التوبة وبداية الأهوال. هكذا تتشابك دلالات «المغرّب» بين الأسطورة الشعبية، والنص الديني، وعالم الغيب. فهو رمزٌ لحدسٍ غامض، وخطرٍ خفي، ولحظةٍ فاصلة بين النور والظلام، بين الحضور والغياب. احصل على Outlook ل iOS