تعيش الأمة السعودية في الفترة الراهنة أزهى عصورها وهي تجني حصاد رؤية المملكة 2030، رغم مضي نصف سنواتها فقط، وقبل بلوغ نهايتها، بسبب التخطيط المتقن، والانضباط المحكم الذي أضحى سمة عامة يعيشه المواطن والمقيم سواء بسواء. مكامن فلسفة الحكم في المملكة منذ توحيدها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قبل 95 عامًا لم تتبدل ولم تتغير، لذا حمل شعار اليوم الوطني لهذا العام «عزّنا بطبعنا» تعبيرًا صادقًا يؤصل للهوية، ويعمق من قيم المواطنة، ويرسخ من عناصر الفخر والاعتزاز بما تم من منجزات عبر عشرة عقود، وبما ينتظره من معجزات تلوح ملامحها في الأفق عبر الرافعات الشواهق التي تملأ سموات المملكة من أقصاها إلى أقصاها، وتنبش في أعماق الأرض لتنبت مبان وأبراج فارهة، وحدائق ومنتزهات غناء، تبشر بلوحات فنية أشبه بتلك التي أبدعها الفنان الكبير احمد المغلوث، وتملأ متاحف المملكة والقاهرة ولندن وباريس، وهو الذي أرخ بأنامله لكل مراحل التطور في البوادي والحضر طيلة العقود الستة الماضية. 95 عامًا مرت على توحيد المملكة هي في عمر الزمن لا تعدو أكثر من لحظة خاطفة، هنا في المملكة زمن الإنجازات لا يقاس بعدد السنوات بل يقاس بالثواني. في ظل عهد عراب رؤية المملكة ومهندسها رئيس مجلس الوزراء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كل شيء تغير، وكل المفاهيم تبدلت، وما تعارفت عليه الأجيال السابقة بات لا يتناسب مع جيل الفيمتو ثانية، الزمن في مفهوم ولي العهد لم يعد أفقيًا بل رأسيا، عموديًا، نفاثا. الأحلام الكبيرة تصبح واقعًا قبل انقضاء النهار، والطموحات تتحقق في كل مكان، خارطة حركة النماء والإعمار بحجم جغرافية المملكة. التاريخ في مفهوم الحكم السعودي ليس هو ما مضى بل ما هو قادم، هنيئا لشعب يحكمه شاب يضع إحدى قدميه في نهاية القرن الذي نعيشه والأخرى هناك في قرن بعيد يراه هو وحده في مخيلته، المستقبل يصنعه ذوو الأحلام الكبيرة، والطموحات العظيمة، والحاضر يعيشه فقط من فقدوا القدرة على رؤية المستقبل، وتوقفت أحلامهم على استعادة ذكريات الماضي السحيق. هل تستطيع أن تتخيل كيف يكون شكل العالم لو لم تكن فيه المملكة العربية السعودية؟، أو بصيغة أخرى كيف كان وضع العالم قبل توحيد المملكة؟، بهذا السؤال الذي يحتاج لإجابته مجلدات بادرني محدثي، وهو قامة فكرية سعودية عربية بارزة، أثرى المكتبة العربية، ومقالاته تنشر في الصحف العربية الكبرى، ينتظرها جمهوره حول العالم، الحقيقة السؤال فاجأني، ولكن بقليل من التركيز والعصف الذهني، وجدت أنه ليس بمقدور أحد من أبرز المؤرخين والمفكرين أن يتخيل شكل العالم بدون المملكة التي قدمت إلى العالم شريان المدنية الحديثة، بينابيع النفط التي انهمرت في صحاريها، فلا مدنية دون النفط الذي يغذي اقتصادات العالم، كما أن روح التسامح الديني التي تشع من الأراضي المقدسة تعصم وتحد من تزايد التطرف الديني التي لولاها لبلغ حدًا لا يمكن لأحد مواجهته. للإنصاف أقول إن توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود هو الأهم في القرن العشرين، فلم يحمل لنا التاريخ أن رجلًا مع نفر قليل من رجاله استطاع أن يوحد صحاري مقفرة متناثرة يعتاش على فيافيها قبائل متصارعة متحاربة، ذلك الرجل الفولاذي الذي تسلح بالإرادة الصلبة والقدرة على التحدي والتخطيط الإستراتيجي في زمانه الذي يفتقر كل مستحدثات عصرنا الذي نعيش فيه والتي تأخذنا إلى عوالم لا ندري إلى أين تنتهي؟، وعلى أي وضع سيكون العالم بعد سنوات قليلة معدودة في ظل عالم يتشكل، تصيره الحروب والأوبئة، والثورة المعلوماتية اللانهائية التي تأخذنا إلى مآلات تأخذنا رغمًا عنا ونجهلها ولا نملك الفكاك منها أو التخلف عن ركبها. بقليل من التأمل والتفكير وقدر من العصف الذهني، علينا أن نتساءل، ما الذي حدث؟ وما الذي يحدث في هذه البقعة من الأرض؟، قد تكون الإجابة إنها الإرادة، لكن الإيمان بقدرة الشعب السعودي، والتلاحم والانسجام بين المواطنين والقيادة، من وجهة نظري يسبق الإرادة رغم أهميتها وتوفرها، فالتلاحم المتجذر بين القيادة والشعب لا يحتاج إلى دليل، ولا جهد فهو جلي وواضح لا يخطئه أحد، والحب الجارف الذي يكنه الشعب السعودي لقيادته متجذر وعميق، وشواهده تلمحها في حالة الرضا التي ترتسم على الوجوه، وذلك يرجع إلى التقارب الشديد، فلا توجد مسافات فاصلة، هنا لا فرق بين أمير ومواطن فالجميع أمام القانون سواء، وأبواب الديوان الملكي مشرعة أمام الجميع، مواطنون ومقيمون، والعدل والإنصاف هو ديدن أهل الحكم. إن اليوم الوطني في المملكة لهو فرصة لاستلهام روح العمل والإنجاز واستحضار الدروس والعبر من توحيد هذه البلاد، وكيف أن الوحدة التي بسطها الملك المؤسس على ربوع شبه الجزيرة العربية مثلت بذورًا للاستقرار والنماء في هذه الأرض الطيبة المباركة الداعية إلى السلام، الساعية نحو غد أفضل بتكاتف وتلاحم أبنائها. كما أثمرت تلك الوحدة عبر عهود متتالية عن بناء الدولة الحضارية الحديثة التي تتمسك بشرع الله دستورًا وتعاليم الإسلام وقيمه منهجًا، أثمرت عن نهضة تنموية جعلت من المملكة واحدة من أكبر عشرين اقتصادًا على مستوى العالم، إضافة لما تمثله من ثقل سياسي عربيًا وإسلاميًا ودوليًا كعضوٍ مؤثر وفاعل بالمنظمات الإقليمية والدولية. إن ذكرى اليوم الوطني تجسد ملحمة تاريخية نجح فيها الملك عبدالعزيز، في توحيد البلاد وتأسيس هذا الكيان الشامخ، فالمملكة تعيش اليوم مرحلة فائقة من التطور الاقتصادي والحضاري والمدني، حيث بدأت المملكة مسيرة البناء والتنمية في زمن وجيز وحققت إنجازات ونجاحات نعتز بها نحن العرب والمسلمون، في ذلك اليوم قبل 95 عامًا تحققت المعجزة الكبيرة وتوحد الوطن، وكانت بداية موفقة لمسيرة قائد رائد ولمسيرة وطن وشعب وملحمة إنجاز خالدة ما زال المتابعون لها يدرسون أبعادها وما تحقق من مؤشرات خالدة تتمثل في الثوابت والمنجزات الهائلة التي حققتها المملكة خلال العقود الماضية والتي تعد شواهد مؤكدة نجاح التخطيط وشمولية العطاء وبعد النظر لقادة هذه البلاد، فقد تحوّلت المملكة إلى واحة أمن وأمان واستقرار ورخاء ورفاهية في عالم يموج بالصراعات والتقلبات، وحققت السعودية ملحمة تنمية فريدة لتميزها بالشمولية والبُعد عن العشوائية، واعتمادها مبدأ التخطيط والدراسة، وتواصلت مسيرة التنمية منذ عهد المؤسس مرورًا بأبنائه البررة الذين أكملوا المسيرة حتى هذا العهد الزاهر الميمون.