الفردانية مدرسة فلسفية، تتمحور حول أولوية الفرد، وحريته الشخصية، واستقلاله الذاتي، مع التركيز على تحقيق أهدافه ورغباته الخاصة، وقيمته المعنوية. وقد ظهرت الفردانية في أوروبا في القرن الثامن عشر، وارتبطت بالليبرالية ارتباطًا وثيقًا حيث تعد الفرد محورًا أساسيًا في الفلسفة الليبرالية. يقول الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز: لقد وقفت الليبرالية مع الفرد وخلصته من كل العوائق والعقبات التي كانت تحد من قدرته على أن يفعل ما يشاء. ويعد الدكتور لويس دومون، عالم الاجتماع الشهير ومؤسس الفلسفة الفردانية، الفرد مركز المجتمع. فبعد أن كان الفرد مجرد رقم في المجتمعات القديمة، أصبح اليوم المحور الذي يدور حوله المجتمع. حيث تركز الفردانية على أولويته على المجتمع. والفردانية على علاقة حتمية بالليبرالية والرأسمالية، ولكن هل لها علاقة بالعولمة، كما يشاع مؤخرًا، فإذا كانت العولمة، كما يقول الباحث والمفكر المغربي الدكتور عبدالإله بلقزيز، تخترق الخصوصيات الثقافية، وتحطم الحدود وتوحد العالم قسرًا، فإنها في هذه الحالة ليست على وفاق مع الفردانية التي تتجه نحو العزلة، إلا أن المنتجات التكنولوجية والرقمية والتقنيات الحديثة التي أفرزتها العولمة ساعدت في تعزيز قيم الفردانية داخل العالم الفرداني. وإذا كانت الفردانية قد رافقت الانفتاح الرأسمالي العالمي، ومظاهر الحداثة، والتغيير الفكري، والتقنيات الحداثية، إلا أنها قوضت أركان النظام الاجتماعي التقليدي، وجاءت بعصر الفرد الحديث، ولكن نجد أن الثقافات الشرقية، كما هو الحال في الصين مثلًا، ترى أن المجتمع مقدم على الفرد، انطلاقًا من أن حاجات الفرد يجب أن تخضع لحاجات المجتمع. وهي النظرية الاجتماعية التي قامت عليها الفلسفة الاجتماعية الصينية، والمستمدة من تعاليم كونفوشيوس. أما اليابان فتنظر إلى الفرد والمجتمع كعلاقة تكاملية. وقد سعت الهند الحديثة بعد تداعي نظام الطبقات نظريًا، إلى محاولة إيجاد مواءمة ما بين الفرد والمجتمع، من خلال التسويات والتوافقات داخل المجتمع الهندي. ولكن معظم المجتمعات العربية، تعارض المفهوم المطلق للفردانية، وتؤكد على الروابط الاجتماعية، والحفاظ على كيان المجتمع، من غير مساس بالحق الأساسي للفرد، وحق المجتمع قد يقدم أحيانًا على حقوق الأفراد، غير أنه يتأكد ويتعزز بتأكيد حقوق أفراده، ولكن تبقى علاقة الفرد بالمجتمع علاقة تكاملية. مع التسليم بأن بعض المجتمعات العربية اليوم، تشهد تحولًا تدريجيًا نحو الفردانية، إلا أن الروابط لا تزال قوية بين الفرد والمجتمع، وهذا الترابط الذي ينظر إليه على أنه واجب اجتماعي، لا يحظى بالنظرة نفسها في المجتمعات الغربية، بل ينظر إليه كعقبة تحول دون الاستمتاع بالحياة. وإذا كانت المجتمعات الغربية تقدم الفرد على المجتمع، فإن الليبرالية أخذت على عاتقها تطوير مفهوم الفرد بعد تداعي النظام الاجتماعي التقليدي، وذلك عن طريق تقوية مركز الفرد في المجتمع. لهذا يؤكد الليبراليون الجدد أن على العالم أن يتبنى قيم الغرب الليبرالية، ويعدون مفهوم الفردانية إحدى تلك القيم، في محاولة لتعميم النموذج الاجتماعي الغربي على المجتمعات الأخرى بوسائل سياسية واقتصادية وثقافية وتقنية. ومع انتقال الليبرالية إلى مرحلة أخرى على يد توماس جيرن، المتأثر بالفيلسوف الألماني هيجل، الذي يرى أن الفرد يحقق ذاته عندما يكون له دور في المجتمع، وذلك عن طريق أن لا حياة للفرد إلا من خلال علاقته بالكل. ولكن إذا كان الإنسان في وضع لا يمكنه التلاؤم مع الوسط الاجتماعي أو التصالح معه، تصبح الفردانية هي المخرج أمامه، إلا أن هذا قد يضعه في خانة العزلة. ومن ناحية أخرى، قد يتبنى الفرد خصائص الفردانية ويتخذها ثقافةً له، ويسعى عمليًا لإحداث تحول لتبديل شخصيته وذلك لأسباب عملية وأخرى موضوعية، حفاظًا على خصائصه الاجتماعية إلى الحد الذي يخدم مصالحه الشخصية والعملية.