جامعة الإمام عبدالرحمن تطلق "رُعى" الصحية لدعم الإبتكار والاستثمار في القطاع الصحي    رئيس الجمهورية العربية السورية يصل الرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    تصوير "الأسد" في سماء الإمارات    فايزر السعودية ولايفيرا توقعان مذكرة تفاهم لبحث فرص توطين الأدوية في المملكة    مندوب المملكة في الأمم المتحدة: موقفنا ثابت تجاه الشعب الفلسطيني والسعي إلى حلّ عادل ودائم لقضيته    برعاية وزير الثقافة.. "روائع الأوركسترا السعودية" تعود إلى الرياض في نوفمبر    مكتبة الملك عبد العزيز العامة تطلق جولتها القرائية ال7 إلى جازان الأحد المقبل    القيادة تهنئ رئيس جمهورية التشيك بذكرى اليوم الوطني لبلاده    المياه الوطنية: تدعو سكان حي البيان بالرياض لطلب خدمة المياه بعد تنفيذ المشروع بأكثر من 24 مليون ريال    بدء جلسات النسخة ال9 من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض    تدشين الملتقى التاسع للمشرفين والمشرفات المقيمين بالطائف    مركز الملك فهد الثقافي الإسلامي بالأرجنتين يُكرّم 40 فائزًا وفائزة    واشنطن وطوكيو توقّعان اتفاقية ل"تأمين إمدادات" المعادن النادرة    مدير عام الدفاع المدني: استضافة المملكة لبطولة الإطفاء والإنقاذ تعكس جهودها في تعزيز التعاون الدولي    ضبط مشعل النار في «الغطاء النباتي»    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    بثلاثية نظيفة في شباك الباطن.. الأهلي إلى ربع نهائي كأس خادم الحرمين    في ختام دور ال 16 لكأس الملك.. كلاسيكو نار بين النصر والاتحاد.. والهلال ضيفًا على الأخدود    الهلال بين فوضى جيسوس وانضباط إنزاغي    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    مطالب دولية بحمايتهم.. «الدعم السريع» يقتل مدنيين في الفاشر    الدفاع المدني.. قيادة تصنع الإنجاز وتلهم المستقبل    لماذا يعتمد طلاب الجامعات على السلايدات في المذاكرة؟    شدد على تعزيز أدوات التصدير والاستثمار المعرفي.. الشورى يطالب بالرقابة على أموال القصر    اقتحموا مقرات أممية بصنعاء.. الحوثيون يشنون حملة انتقامية في تعز    روسيا مستمرة في تطوير وإنتاج أسلحة جديدة.. وزيلينسكي: أوكرانيا تعمل مع الحلفاء على خطة لوقف القتال    ارتفاع تاسي    « البحر الأحمر»: عرض أفلام عالمية في دورة 2025    العلا تفتح صفحات الماضي ب «الممالك القديمة»    350 ألف إسترليني ل«ذات العيون الخضراء»    الحوامل وعقار الباراسيتامول «2»    إنجاز وطني يعيد الأمل لآلاف المرضى.. «التخصصي» يطلق أول منشأة لتصنيع العلاجات الجينية    وزير الداخلية يدشن وحدة الأورام المتنقلة ب«الخدمات الطبية»    أكثر من 54 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الآخر 1447ه    53% من صادرات المنتجات البحرية لمصر وعمان    2600 نحال يقودون تربية النحل بمدن عسير    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يستقبل وفدًا من جامعة الدفاع الوطني    "موهبة" تشارك في مؤتمر "الطفولة تزدهر 2030"    اليوسف يلتقي عددًا من المستفيدين ويستمع لمتطلباتهم    «الشورى» يطالب بمعالجة تحديات إدارة وتنمية الأصول العقارية للقُصّر    اكتشاف يفسر لغز المطر الشمسي    المعافا يقدّم التعازي لأسرتي العر والبوري في القمري    "تجمع القصيم" يستعرض برامجه النوعية في ملتقى الصحة    الخليج يكسب التعاون ويتأهل لربع نهائي كأس الملك    إسرائيل بين تحولات الجنوب وتصاعد التوترات مع لبنان    الأمير تركي بن طلال يزور جناح جامعة جازان في ملتقى التميّز المؤسسي    الأميرة نجود بنت هذلول تتابع تطوير أعمال تنظيم وتمكين الباعة الجائلين بالشرقية    نائب أمير مكة يتسلم تقريرًا عن استحداث تخصصات تطبيقية بجامعة جدة    "التخصصي" يوقّع أربع اتفاقيات لتعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية التخصصية    ولي العهد يلتقي القادة المشاركين في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    تركي يدفع 240 دولاراً لإعالة قطتي طليقته    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    116 دقيقة متوسط زمن العمرة في ربيع الآخر    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعتذرون والمغفرة
نشر في الوطن يوم 06 - 09 - 2025

في مسيرة الحياة يبرز الإنسان في صورة المتغير الأكبر بما يحدثه من سلسلة الأفعال والأقوال والأفكار، في شقيها الإيجابي والسلبي، تجاه البيئة من حوله بجميع مكوناتها، حيث يأتي السلوك الإنساني في صورته الإيجابية داعما لتطور الحياة، مؤكدا لاستحقاق الإنسان خلافة الله فيها، وناشرا للجمال والخير والإحسان، ولكن الحياة ليست وجها واحدا، فكما أن السلوك الإيجابي هو جزء من حركة الحياة وتفاعل الإنسان فيها، كذلك فإن الحالة السلوكية السلبية التي تتشكل عبر صور من الأخطاء القولية والفعلية الفكرية هي الوجه الآخر للحياة بما لها من تأثير كبير على مسيرة الحياة وسلاستها وصفائها.
إن الإنسان حينما يصبح ضحية لتلك الأخطاء الصادرة من شقيقه الإنسان، يهتز استقراره، وتُصادر طمأنينته حتى تصبح الحياة جحيما يكسر الذات، ويهز الثقة بالحياة والأحياء، والمحظوظ من مسته تلك الأخطاء مسًّا خفيفا لا يكسر الروح، ولا يؤذي المشاعر.
والسؤال الذي يفرض نفسه في ضوء حتمية وقوع الأخطاء، ماذا لو عاد ذلك المخطئ معتذرا؟
هل نقبل اعتذاره وتعود الحياة إلى سيرورتها السابقة؟
أم هل نرفض الاعتذار وننسحب للخلف خطوات نكوصا أو ندما وحذرا؟
بالتأمل في الأمر يتضح أن المغفرة وعدم المغفرة ترتبط كثيرا بحجم ونوع الخطأ أولا ثم ثانيا بطبيعة ونوعية من وقع عليه الخطأ.
إننا عندما نتتبع حالات الأخطاء سنجد مع تنوعها الكبير أن مكونات معادلة الأخطاء غالبا تتكون من ثلاثية لا يمكن فصلها، وهي:
1-المخطئ «الفاعل»
2-الذي وقع عليه الخطأ «الضحية»
3-الخطأ «فعلا، أو قولا، أو فكرا».
ومن خلال النظر لهذه المعادلة يمكن الحديث عنها من عدة زوايا تتعلق بالمخطئ والضحية أساسا، إذ إن الخطأ بحجمه ومساحة تأثيره يتعاظم أو يتضاءل بالنظر إلى شخصية الذي وقع عليه الخطأ ثم قيمة وشخصية من وقع منه الخطأ مهما كان الأمر فادحا.
* فخطأ الولد على الوالد مهما كان ضئيلا إلا أنه يصبح فادحا عظيما، لأنه يتصادم مع التوقعات الطبيعية للوالدين من أبنائهم برًا وصلةً وإحسانًا، ومع ذلك ينتهي الأمر غالبًا بالسماح والمغفرة من الوالدين تجاه الأبناء مهما كانت الندوب التي تركها ذلك الخطأ، وذلك بمرجعية الرحمة والمحبة غير المشروطة لدى الوالدين، أما حدوث العكس أي خطأ الوالدين على الأولاد فغالب الأمر يتعلق بثقافة المكان والبيئة، ففي بعض البيئات يُحلل الآباء من كل خطأ، بل تصبح كثير من الأفعال والأقوال التي لا تُقبل من عامة الناس في حكم المقبول والعادي من الوالدين لخصوصية العلاقة الوالدية، ولأن الأصل في الوالدين الحرص على مصالح الأولاد وعدم التفريط فيها.
* خطأ الأصدقاء على بعضهم، حيث تتداخل عدة أمور في تقدير الموقف منها حجم الخطأ، وعمق العلاقة بين الطرفين، وظهور حسن أو سوء النية عند حدوث الخطأ، وهنا يغلب أن يكون السماح متوفرا لدى أهل المروءة ابتداءً أو حال طلبه مع الاعتذار عن الخطأ، والعزم على عدم التكرار، وفي هذه الحالة لا تفوتنا الإشارة إلى وجود حالات قليلة نادرة كانت الأخطاء فيها سببا في حدوث القطيعة والتنافر بين الأصدقاء، وهذا يحدث غالبا عند تراكم الأخطاء مع الوقت دون أن تكون هناك مساحة للتصحيح أولًا بأول.
* خطأ الأغراب وعابري السبيل، ليست له قاعدة أو صورة يمكن أن تستنسخ في كل المواقف، فحجم الخطأ من حيث البساطة والفداحة له دور كبير في رد الفعل، وسرعة وصدق المغفرة، فكلما كان الخطأ صغيرا عابرا كلما أتت المغفرة عفوية سريعة حاسمة لأي تداعيات يمكن لها أن تفسد الوضع أو تصادر الطمأنينة، بينما إذا كان حجم الخطأ كبيرا والأضرار مؤلمة ولم تتوافر مبررات حسن النية فغالبا لا تأتي المغفرة بل تكون المؤاخذة هي الأصل.
ومع ذلك فالإنسان غالبا لا يريد أن يتخندق في مساحة الخصومة والعداوة لأنها مرهقة نفسيا، ولهذا تأتي المغفرة في هذه الحالة كدواء وشفاء لصاحبها قبل الآخرين.
* أخيرًا، خطأ الجماعات تجاه الجماعات المناظرة لها سواء كانت صغيرة كالقبائل أو كبيرة كالشعوب والدول، وهنا الأمور تكون أكثر تعقيدا، إلى الحد الذي تقوم فيه حروب، وتداعيات قد تطول، وسبب ذلك أن مبرر حسن النية غالبا ما يكون غير متوفر، لاستحالة أن يتمالأ الجميع على شأن دون عقد النوايا وتبصر العواقب، ولهذا تكتسب الأحداث المرتبطة بالخطأ سمة القصدية والعمد، الذي يجعل الخطأ وما يترتب عليه محل تقاضٍ وخصومة وتعويضات مهما تقادمت الأزمان، وحدوث الصلح إن حدث يكون بعد جولات من الصراع واسترداد الحقوق والكر والفر بين الطرفين، وعادة يكون الصلح في هذه الحالة عارضا مؤقتا يؤجل الصراع ولا يلغيه تماما.
* ختاما، في ديننا العظيم كفل الله تعالى حقوق العباد بالقصاص، ورد الاعتداء، والزجر عن العدوان وترتيب الحدود والعقوبات حتى تبقى الحياة آمنة تتيح لكل إنسان أن يعيش مطمئنا متفرغا لأداء حقوق الله عليه، مؤديا لوظيفته الكبرى معمرا للكون مثريا للحياة، وفي نفس الوقت عظّم أمر المغفرة ورتب على حصولها الأجر العظيم، وجعلها سببًا لترميم الطرفين المخطئ والضحية، فترفع عن المخطئ إصر العقاب وتداعيات الخطأ الذي قد يكون عميقا حد إتلاف النفس، وتشجع الضحية على المبادرة إلى العفو طمعا فيما عند الله من الأجر العظيم إيمانا بقول الله تعالى ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾.
وذلك حتى لا تبقى الحياة ساحة للتدافع فقط، بل مساحة للإحسان والعطاء والبذل الذي يجمّل العيش، ويسمو بالإنسان الذي أوكلت إليه دون غيره خلافة الله في الأرض وحمل رسالته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.